السنة مصدرعملي تعبدي وليس مصدرًا تشريعياً

مازال كثير من عبيد المثناة يأتون بمثل طريقة الصلاة كيف تمت أو كيف تعلم النبي نفسه الصلاة ليستدلوا على أن السنة هي مصدر تشريعي!.
ينبغي أن يعلم هؤلاء الفرق بين مفهوم المصدر التشريعي الديني وهو خاص بالقرءان، ومفهوم المصدر العملي لهيئة الطقوس التعبدية وهو خاص بالسنة، ومفهوم المصدر المعرفي والتاريخي وهو خاص بالروايات والأحاديث التي تنسب للنبي.
الأمر بإقامة الصلاة كتشريع وجوب، ومقومات الركعة الواحدة (قيام وركوع وسجود)، والحد الأدنى للصلاة كركعتين، وتحديد الأوقات الخمسة كحد أعلى ووقتين كحد أدنى، كل ذلك نزل في النص القرءاني، أما عدد الركعات للصلاة التي أكثر من ركعتين فقد أتت من الوحي العملي مباشرة، يعني النبي تعلم الصلاة من الوحي، ومارسها أمام الناس ومعهم، ووصلت إلينا عن طريق السنة المتتابعة، مع توزيع عدد ركعات الصلاة في اليوم والليلة.
فتلازم أمر الله بإقامة الصلاة{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنواْ إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى المَرَافِقِ وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الكَعْبَينِ وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مَّنكُم مِّنَ الغَائِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُم مِّنْهُ مَا يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَـكِن يُرِيدُ لِيُطَهَّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: 6] مع سنة الرسول (صلوا كما رأيتموني أصلي) فالصلاة مبنية على عملية الرؤية، وليس على الأحاديث.
لذا؛ كانت الصلاة بصورتها العملية متتابعة في المجتمعات الإسلامية كطريقة عملية وليس روايات، ولا منيّة لأحد في وصولها إلينا!، وكل المسلمين تعلموا كيفية الصلاة من آبائهم وأهل المسجد والناس عمومًا، ولا يوجد اختلاف بين المسلمين في صورتها من قيام وركوع وسجود، والاختلاف بين المسلمين إنما هو في الجزئيات المتعلقة بالصلاة، وهذه الأمور هي من مادة الحديث النبوي، وليست وحيًا، مثلًا، عندما نزلت آية {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ العَظِيمِ} [الواقعة: 74]. قال النبي: اجعلوها في ركوعكم، وعندما نزلت آية {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى: 1]، قال: اجعلوها في سجودكم.
فهذه الأدعية والأذكار هي اختيار نبوي لأمته، الأَوْلى الالتزام بها مع صواب الصلاة بغيرها من الأدعية والأذكار القرءانية التي يتأولها الإنسان كمضمون.
وكذلك طقوس ومناسك الحج، اقرأ
قوله تعالى: {رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} [البقرة: 128]، وقول النبي: (خذوا عني مناسككم).
ووجود الطريقة العملية لأداء الصلاة والحج في السنة لا يجعلها مصدر تشريعي وإنما هي مصدر عملي تابع لمصدر تشريعي، لأن مصدر التشريع هو الذي يؤسس حكماً أو يبتدئ حكمًا، بينما السنة أو الحديث لايؤسس مفهوماً إيمانيًا ولا يبتدئ حكماً شرعياً.