الرد على الدكتور شحرور في مسألة الربوبية

من خلال دراسة بحث الربوبية في كتاب (الكتاب والقرءان قراءة معاصرة) تبين لي وجود خمسة أخطاء وهي:
1- عرّف الربوبية بأنها سيطرة وملكية وسيادة وهي علاقات صارمة لا خيار فيها وهي وصف لوجود موضوعي حقيقي
– والمتتبع للآيات التي تناولت أمر الرب يلاحظ أنها جاءت على نوعين:
أ- الأمر الكوني: وهذا القسم الذي ذكره الدكتور بأنه مجموعة قوانين صارمة لا خيار للإنسان فيها.
ب- الأمر الشرعي: وهذا القسم يملك الإنسان الخيار بأن يفعل أو لا يفعل قال تعالى:
1- {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ } (الأعراف 33)
2- {قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً } (الأنعام 151)
3- {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ } (الأعراف 19)
4- { وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى } (طه 121)
5- {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ } (الكهف 50)
6-{فَعَقَرُواْ النَّاقَةَ وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ } (الأعراف 77)
7- {وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ } (الطلاق8)
لاحظ جملة [ أمر ربي بالقسط ] والقسط يتضمن العدل على إطلاقه سواء كان أمر الرب للوجود الكوني قائمًا بالعدل أم خطاب للعاقل المكلف بإقامة العدل فلا مبرر لحصرها بالأول دون الآخر، ولاحظ جملة [ عصى آدم ربه ] وجملة [ ففسق عن أمر ربه ] وجملة [ وعتوا عن أمر ربهم ].
فهذه الآيات دلالتها قطعية في أن أمر الرب لم يكن يتعلق بالوجود الموضوعي الصارم وإنما هو متعلق بالسلوك الإنساني الواعي والإنسان له الخيار في أن يفعل أو لا يفعل كما عصى آدم ربه وكما فسق إبليس عن أمر ربه، فلذا؛ علاقة الإنسان بالربوبية ذات شقين: الأول علاقة صارمة، وهي أمر الرب الكوني، والثانية علاقة طاعة اختيارية وهي أمر الرب الشرعي.
2- أرجع كلمة الخالق إلى كلمة الرب حينما تكلم على قوله تعالى:
{ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ } (الأنعام102)
قال: لاحظ كلمة خالق عائدة إلى كلمة ربكم وكلمة فاعبدوه عائدة إلى كلمة لا إله.
– والصواب أن كلمة خالق عائدة إلى كلمة الله لأن كلمة الخلق ليست من معاني كلمة الرب لسانًا كما تقرر سابقًا ولا يفهم ذلك من النص عقلًا والأولى أن تعود إلى كلمة الله وخاصة أنها من لوازمها وسياق النص هو تعريف لله وذلك بقوله تعالى: [ ذلكم الله ] من هو [ ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه ] فكل ما في الآية عائد إلى الله كونه الأحد الصمد.
3- قوله: كان الخلاف على الإلوهية وليس على الربوبية.
فكيف لم يكن الخلاف على ربوبية الله مع وجود الشرك في الربوبية سابقًا ولاحقًا وقد أقر ذلك الدكتور نفسه عندما تكلم عن صاحب الجنة من سورة الكهف تعليقًا على قوله تعالى:
{لَّكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَداً } (الكهف 38)
وتعليقًا على قوله تعالى: {اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ } (التوبة31)
ويكفي قوله تعالى: {قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ } (الأنعام164)
دلالة قطعية على وجود نزاع على ربوبية الله بوجه من الوجوه، وأن الشرك في الربوبية وقع به معظم الناس وبالتالي هو أحد محاور دعوة الرسل الأساسية.
4- قوله أن الله لم يطلب من الناس أن يقولوا: لا رب إلا الله.
بينما نجد من خلال النزاع والخلاف على ربوبية الله بين الرسل والناس أنها مطلب إيماني وجاءت عشرات الآيات بهذا الطلب:
قال تعالى:
1- {رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُواْ بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأبْرَارِ } (آل عمران 193)
2-{ أَتَقْتُلُونَ رَجُلاً أَن يَقُولَ رَبِّيَ اللَّهُ } (غافر28)
3- {وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ } (الحديد8)
4- {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ } (الحج40)
5- {قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ (الأنعام 164)
وعدم جعل هذا المطلب الإيماني شعارًا للإسلام أو بابًا لدخوله إنما ذلك راجع لسببين: الأول: لأنه لا يشمل معنى الخالق، والثاني: أن كلمة الإله أوسع من كلمة الرب فكل إله رب والعكس غير صحيح لذلك كان المطلب الرئيسي الشامل هو قول لا إله إلا الله المتضمن لا رب إلا الله.
5- عَدُّهُ مسألة ربوبية الله محل تسليم واتفاق بين الرسل والناس.
والصحيح أن مسألة الخالقية هي محل تسليم واتفاق عند الناس وليست الربوبية بدليل قوله تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ } (لقمان25)
وبدليل الخلاف القائم في مسألة وحدانية ربوبية الله للناس.
من كتابي الألوهية والحاكمية
دمشق 1998