مدخل لتدبرالقرءان الكريم

نزل القرءان بلسان عربي مبين {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَـذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ }النحل103، ونزل ذكر صوتي على قلب الرسول محمد وقام هو بتلاوته على الناس بصوته وحفظوه تلاوة ونقلوه كما سمعوه ذكراً صوتياً ،{قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ }البقرة97، فالحجة بالنقل الصوتي للتلاوة وليس بالرسم والخط الاصطلاحي الاعتباطي ،{كَمَا أَرْسَلْنَا فِيكُمْ رَسُولاً مِّنكُمْ يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِنَا وَيُزَكِّيكُمْ وَيُعَلِّمُكُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُعَلِّمُكُم مَّا لَمْ تَكُونُواْ تَعْلَمُونَ }البقرة151، ويصحح أي مخطوط مهما تقادم في زمنه ولو وصل إلى زمن النبي نفسه بناء على التلاوة الصوتية المعتبرة والمتتابعة في الأمة.

ولم ينزل  النص القرءاني بلسان آرامي أو سرياني أو عبراني …!

ولايوجد في القرءان أي كلمة غير عربية ولو كانت مستخدمة في أي لسان فهذا يدل على عربيتها وليس العكس.

واعلموا أن هذه الألسنة أو اللهجات ( الآرامية والسريانية والعبرانية والكلدانية..) هي نواة للسان العربي نما في رحمها وتطور وصار عربياً ، وعندما نزل القرءان استخدم اللسان العربي ولكن بشكل مبين فانفرد عن جميع الألسن بنظامه حتى عن اللسان العربي السائد ،فصار له لسانه الخاص ونظامه وهذا يعني أن مفاتيح دراسته وفهمه تكمن في داخله وفي محل تعلق الخطاب من الواقع فهو القاموس له .

والأصوات العربية لها مفهوم فيزيائي كوني وليس معاني ثقافية، ويظهر معناها حين تركيبها مع أصوات أخرى فيظهر المعنى بالكلمة ويحدد من خلال الاستخدام لها في جملة تامة المعنى وتعلقها بمحل الخطاب .

لذلك لايصح جعل اللسان السرياني أو غيره أصل ومرجع لدراسة اللسان القرءاني.

والقاعدة هي:

الكلمة في اللسان العربي لها مفهوم واحد فيزيائي ثابت يحكم تحرك المعنى للكلمة حين الاستخدام وتعلقها بالواقع .

وأصوات اللسان العربي هي 28 صوت مع صوت الألف بنوعيها الهمزة والهمزة الممدودة (أ – آ)، وهي موجودة كصوت قبل رسمها وخطها بفترة طويلة جداً ، لذلك لاقيمة علمية لقول أحدهم: إن السين والشين هما حرف واحد قبل التنقيط وكذلك الفاء والقاف، فالقيمة و الذي عليه الاعتماد هو الصوت وليس الخط، وأكيد صوت السين غير صوت الشين، كما أن صوت الفاء غير صوت القاف !

والنبي قارئ وكاتب ولكن لا يحسن تلاوة الخط ولا يخطه  {وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ }العنكبوت48، وقام النبي بتلاوة الكتاب الإلهي الذي نزل عليه  من قلبه على مسمع الناس وحفظوه ، ونزل الأمر به بفعل (اقرأ) وهو تحت متناول كل الناس {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ }العلق1،والقراءة فعل يتعلق بالدراسة و التفكير في صفحات الكون وكلماته ويكون ذلك من خلال السير في الأرض والنظر كيف بدأ الخلق{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }العنكبوت20، وفعل القراءة يستجلب الزيادة والسعة والرحمة والتسخير{اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ }العلق3، {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُواْ لَهُ وَأَنصِتُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ }الأعراف204،

وتدبر الفكرة أو المفهوم من القرءان لا يكون إلا من خلال السياق وإسقاط المفهوم على محله من الخطاب واستحضار المنظومة التي ينتمي إليها النص، ولا يصح الاكتفاء بشرح المفردات أو دراسة اللفظ  فقط ، انظروا مثلاً:

كلمة (أهلك) نلفظها في نصين مختلفين باللفظ ذاته والرسم لها واحد والمعنى مختلف بينهما.

1- {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَاداً الْأُولَى }النجم50 .

2- {وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقاً نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى }طه132

نلاحظ أن كلمة (أهلك) في النص الأول حسب السياق ومحل الخطاب من الهلاك وجذرها (هلك).

بينما في النص الثاني نلاحظ كلمة ( أهلك) حسب السياق ومحل الخطاب من الأهل وجذرها (أهل).

فالحكم للسياق ومحل الخطاب وليس للفظ المجرد  والرسم الحرفي.

ولمعرفة مواضيع الكتاب الإلهي نتصفح مواضيع سوره ، فنجد أن الكتاب  ليس هو مجرد كتاب ديني فقط ، فالدين لايتجاوز مواضيعه في الكتاب عشرة بالمئة على أكبر تقدير بكل مواضيع الدين الإيمانية والشرعية والأخلاقيةو القيمية ، مما يدل على أن الكتاب الإلهي أكبر من الدين فهو يحتوي مواضيع محورية تاريخية للجنس الإنساني و مراحل خلق الجنس البشري ومواضيع معرفية وكونية واجتماعية ونفسية وروحية وفلسفية …الخ،  ودراسة هذه المواضيع ليست دراسة دينية وإنما دراسة علمية والاختلاف فيها هو اختلاف علمي ورأي وليس اختلاف ديني ولاعلاقة للإيمان بها أو الكفر، كما أنها لاعلاقة لها بمن يسمون أنفسهم رجال دين فهذه المواضيع لها علماؤها وليسوا هم خريجي الأزهر أو كليات الشريعة

وعلى سبيل المثال انظروا لقواعد تدبر القصص القرءاني:

 – 1 دراسة القصص للعبرة والتدبر والعلم بحركة التاريخ واكتشاف السنن التي تحكمه

– 2  القصص ( التاريخ) ليس مصدراً تشريعياً

-3 دراسة القصص يمكن أن تكون من البعد الماضي والمستقبلي

-4 دراسة القصص يمكن تكون بشكل رمزي

-5نصوص القصص الحواري هي نقل الحدث أو الحوار كما حصل على لسان أصحابه ولايعني أن يكون ذلك حقاً أو صواباً

-6 دراسة نصوص القصص تحتمل أكثر من معنى وفق المفهوم اللساني والمنطقي وهو تعدد تنوع وليس تعدد تناقض

-7 لاتقوم القصص بمنطق التشريع

-8  لا يصح قياس الشاهد على الغائب

-9  فهم القصص نسبي متحرك متشابه

-10 محاولة إسقاط القصص على محلها من الخطاب

-11 القصص القرءاني هي المراحل المهمة  لتاريخ الجنس البشري التي تشكل ذاكرته الثقافية التاريخية

-12الاختلاف بفهم القصص القرءاني أو إنكار ظاهرها أو التوقف عن دراستها أو محاولة تدبرها منطقياً….الخ ، لاعلاقة له بالدين و الإيمان أو الكفر.

ومن أسلوب القرءان عدم تشريع ما هو تحصيل حاصل، مثل أن الحرية حق للإنسان وهي شيء مقدس، مع العلم عدم ذكر الحرية صراحة ولفظاً في القرءان ، وهذا لأن الحرية هي حاجة نفسية ملحة مثل حاجة الإنسان إلى الكرامة، فهما غير محتاجان إلى نص أو أن يذكرهما المشرع  لأنهما تحصيل حاصل فالإنسان يولد حراً  كريماً، والمجتمع يجعله عبداً ذليلاً ،ومثل ذلك كمثل حاجة الإنسان إلى الهواء والماء فلا حاجة لنزول نص تشريعي يوجب على الإنسان أن يتنفس رغم أن التنفس عملية ضرورية لحياة الإنسان، ولكن هي تحصيل حاصل فالإنسان لا ينتظر نصاً إلهياً ليتنفس أو يذكره بذلك، ولو نزل نص إلهي بذلك لكان عبثاً ومهزلة ومثار للضحك والسخرية .

ومسألة حرية الإنسان كذلك فهي حاجة له معلومة فطرة مثل حاجته للتنفس، فلا حاجة لبرهان عليها أو نزول نص إلهي يوجب قداستها.

                    تعريف مختصر بمنهج دراسة القرءان ككل 

إن الحكم إلا لله، وقد أمر أن نتبع القرءان ولا نشرك معه شيئاً، وتعهد الله بحفظ كتابه لأن الحساب سوف يتم على موجبه، فنزلت نصوص الأحكام محكمة غير متشابهة وذلك من تمام الحكمة والرحمة الإلهية،وكتاب الله بجانبه الرسالي هو مصدر رئيس لدستور الدولة وليس نهائياً وذلك حينما يكون ثقافة عامة للمجتمع،ونتعامل مع الرسالة الإلهية وفق مفهوم المقاصد والعواقب، ونزل الكتاب بلسان عربي مبين خال من الترادف أو المجاز التي هي صفات للشعر وكلام الناس ضرورة لقصورهم، وذلك لأن الخطاب القرءاني يقوم على الحق والصدق وليس على العبث أو الحشو أو اللهو، فكل كلمة في الخطاب القرءاني لها مفهوم لساني ثابت ومعاني متعددة تظهر من خلال استخدام المتكلم وفق سياق كلامه ومحل تعلق خطابه من الواقع، والقرءان منظومة واحدة يحتوي منظومات تابعة لها ومنسجمة معها ولا يصح فهم أي كلمة أو نص أو تشكيل مفهوم  بمعزل عن منظومته والمنظومة العامة  التي تقوم على منظومة أسماء الله الحسنى.

وقد أمرنا الله أن نكون حنفاء في دراستنا وتفكيرنا بالقرءان والواقع، وكلمة حنيف تدل على التحديث والتحرك الدائم نحو الحق أو الصواب وفق المحور الثابت،  وحض القرءان على استخدام وظيفة التعقل والتفكير وجعلهما دليل ومعيار وميزان للفهم والتمييز وفق منطق علمي كوني،  وجعل علاقة المسلمين بالله وليس بالبشر كائناً من كانوا، لذلك لا نجد في القرءان ذكر أمر طاعة للنبي أو لمحمد، كما أننا لا نجد ذكر لكلمة سنة أو حديث أضيفت للنبي أو محمد، وإنما السنة سنة الله، والحديث حديث الله، والأمر بالطاعة تعلق بالله ورسوله متصلاً أو منفصلاً، وأتى حكم الصلاة في القرءان وهيئتها العامة وأتى في السنة التفصيل العملي لها وهي طريقة متتابعة في الأمة دون انقطاع ولا سند لها ولا عنعنة، ولا علاقة للحديث بها قط ولا منية لأحد في نقلها لنا، ولا قيمة لأي سنة ولو تتابعت إلا إن كان لها أصل قرءاني يشرعها ولا يوجد سنة  إلا للصلاة و الحج فقط، واقترح النبي مجموعة من الأذكار لنتلوها في الصلاة ليس على وجه الإلزام ولا مانع من تغييرها على ضوء القرءان والذكر والتسبيح والتعظيم لله، والأولى الالتزام بها، وما صح عن النبي من أحاديث متعلقة بمكارم الأخلاق والقيم والحض على العمل الصالح والبر والإحسان أو تبيين بعض الأحكام إنما هي صدى للقرءان واستنباط منه وتابعة له وكامنة فيه، وتلاوة القرءان أولى منها مع جواز ذكرها، ويستطيع الباحثون العلماء الوصول إليها من القرءان، ومحمد معصوم في مقام الرسول كمبلغ وتالي للوحي، ومجتهد وعالم ومعلم وداعية في مقام النبوة يصيب ويخطئ، ولذلك نجد في القرءان دائماً العتاب والتعليم والأمر بالتقوى يتعلق بمقام النبوة {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً }الأحزاب1، وبالتالي صارت نبوة محمد لقومه وأحاديثه هي تفاعله مع القرءان وفق معطيات زمانه واحتياجاته، ورسالته للناس جميعاً  تقوم على مقصد الرحمة عموماً.

{وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ }آل عمران144

وعندما نقول: القرءان وكفى، نقصد بهذه المقولة مجال التشريع الديني كمفهوم إيماني أو حكم شرعي أو خبر غيبي، ولا نقصد نفي المصدرية عن غيره في غير مجال الدين من العلوم عموماً، فالقرءان ذاته حض وأمر بالسير في الأرض والدراسة و التعلم، وهذا يجعل الواقع مصدر علمي وموضع للتفكير،{قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ }العنكبوت20، وكذلك أمر بدراسة التاريخ للعبرة و العظة والعلم بعواقب الأمور وهذا يعني أن التاريخ أيضاً مصدر معرفي وعلمي وليس دينياً.{قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ }الأنعام11

وقولنا: القرءان وكفى كمصدر تشريعي، لا ينفي اتباع السنة المتتابعة التي تتعلق بطريقة الصلاة والحج كونهما طريقة تابعة لحكم شرعي نزل بالقرءان، وهذا يعني نفي عن السنة صفة المصدرية التشريعية، فهي لا تؤسس حكماً ولا مفهوماً إيمانياً ولا تثبت خبراً غيبياً، وهي ليست أحاديث وإنما طريقة عملية تابعة لحكم شرعي قرءاني، فلا يصح ذكرها مع المصدر الشرعي الذي هو القرءان .

قاعدة عامة في أصول الفهم والدراسة  للدين وليس للكتاب الإلهي كله – عندما يتعلق الأمر بالله فالأصل هو الوحدانية و التنزيه والتعظيم ,وإثبات الأسماء الحسنى لله وتفعيلها أثناء دراسة كتابه ، وأسماء الله  توقيفية وليست استنباطية أو اشتقاقية من الأفعال.

– عند ما يتعلق الأمر بحقوق الناس ودمائهم وأعراضهم وأموالهم نتشدد ولا نقبل إلا ببرهان من القرءان وبفهم قطعي الدلالة وفق منهج القرءان واللسان العربي المبين الذي نزل به . – وعندما يتعلق الأمر بفعل الخير والبر والإحسان نتساهل بالفهم ونقبل التعدد به طالما أن ذلك يرجع لمصلحة الناس.

– وعندما يتعلق بالطقوس  فالأصل بها هو التوقف ولانعبد الله إلا بنص ، ونتساهل مع كل تطوع  تعبدي فردي له أصل قرءاني مثل صلاة النافلة والصيام في غير رمضان.

– يقوم التشريع في أصله على الرحمة والإنسانية وهذا يظهر في العقوبات كما يظهر في التشريعات الاجتماعية

– المقاصد الدينية هي المنظار والإطار لدراسة أي جزء من الأحكام الشرعية

هذا ماتيسر لي من كتابة كمدخل لتدبر الكتاب الإلهي وهي ليست للحصر ولكن بداية الانطلاق والاعتماد وقابلة للتوسع و التعديل

القاهرة – سامر إسلامبولي

2/1/ 2016