نزول المسيح ابن مريم بين اسلامبولي والرفاعي وعدنان إبراهيم (دراسة مقارنه)

‎Ahmed KH‎

(دراسة مقارنه)

نزول المسيح عيسى ابن مريم بين إسلامبولي، والرفاعي، وعدنان إبراهيم

مبحث نزول المسيح هو من أخطر مباحث الإيمان عند المسلمين كافة برأيي لما له من تبعات وخيمة على العقل الجمعي المسلم، ولذا؛ لابد من الوقوف الدقيق على هذا المبحث قرءانياً لهذا أعرض دراسة مقارنة مختصرة عن نزول المسيح بين عدنان الرفاعي وسامر اسلامبولي وعدنان ابراهيم       ولعل أهم النصوص التي تتمحور حول قضية المسيح وادعاء نزوله في آخر الزمان هي التالية:(إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (55) سورة آل عمران ( وإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا) النساء159(وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ) الزخرف61

– رؤية “عدنان الرفاعي” لنزول المسيح:

اعتمد “الرفاعي” في رؤيته لنزول المسيح على آيتين قرءانيتين في معرض الحديث عن حياة المسيح ووفاته، فخلص الرفاعي الى أن مفهوم الوفاة غير الموت وأن ورود لفظ الوفاة هنا يدل على أن عيسى عليه السلام لم يمت بعد، وهي كما يراها دلالة على عودته آخر الزمان.. فقد تم رفعه الى ربه حتى عودته مجدداً إلى الحياة الدنيا بدلالة قوله تعالى :(إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (55) سورة آل عمران، فيرى “الرفاعي” أن وفاة عيسى ورفعه اليه هو رفع للمسيح نفساً وجسماً وحفظه حتى عودته مجدداً ليموت في الحياة الدنيا فيكون في آخر الزمان اعترافه بالنبي محمد ورسالته الى آخر تباعات هذا النزول من تفاصيل معروفة للجميع…

ولكن الغريب في فهم “الرفاعي” هو رؤيته الى الكيفية التي سيعود من خلالها المسيح الى الحياة الدنيا، وهو السؤال الذي يطرح ذاته كيف سنعرف المسيح أنه هو حقاً المسيح..؟!

فالرفاعي يرى أن المسيح سيعود بجسد جديد مختلف عن أجساد البشر الدنيوية. فنفس المسيح لا تحتمل أن تتجسد بجسد بشري دنيوي كما باقي البشر، وإنما سيعود بجسد خاص من حيث تركيبته الفيزيولوجية وسيعرف أنه المسيح الحق من خلال هذا الجسد بعد فحصه طبياً أي باستخدام العلم سيكتشف من خلال فحص وتحليل خلايا الجسد الحاوي لنفس المسيح وتركيبة هذا الجسد الفيزيولوجية المختلفة عن باقي اهل الأرض انه هو المسيح الحق مهدي آخر الزمان…! والأغرب من الكيفية ذاتها هو عدم إيراد أي أدلة على هذا التصور الذي أقل ما يمكن القول فيه إنه خرافي…!!

أما الشاهد الآخر الذي استدل به الرفاعي على عودة المسيح آخر الزمان وهو من أهم الأدلة التي يقف عليها ويعدها قطعية الدلالة لما يخلص إليه قوله تعالى:(وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا) (159) سورة النساء ، يرى “الرفاعي” إن هذه الآية تحمل دلالة قطعية على عودة المسيح ابن مريم آخر الزمان بدلالة إنْ النافية وأداة الحصر (إلا) في النص ليصير المعنى ما من أحد من أهل الكتاب إلا وسيؤمن بالمسيح قبل موته. وهو مالم يحدث بعد بحسب فهم الرفاعي. فليس كل أهل الكتاب قد آمن بنبوة المسيح ورسالته، وهذا لن يكون إلا في نزوله الأخير..

وبتقييم مقتضب لفهم “عدنان الرفاعي” سنجد أن رؤيته لا ترتقي لبحث علمي لكونه يبني تصوره من أهداب نصوص متفرقة بمعزل عن المنظومة الدلالية للآيات التي ورد فيها ذكر المسيح ابن مريم فضلاً عن ظنية الاستدلال بتلك الآيات التي اعتد بها وعدها أدلة قطعية فيما خلص اليه.. فتكوين رؤيته من آيات متفرقه أوقعه في فهم سطحي متهافت لا يرقى ليكون بحث قرءاني متكامل يمكّن الباحث من تكوين مفهوم عن المسيح ونزوله المزعوم…! فالاستدلال بجزئيات معينة من آيات التنزيل الحكيم وغياب الرؤية الكلية للنصوص في إدراك المنظومة الدلالية القرءانية يؤشر الى ضعف منهجي في البحث ولا يسمح في بناء تصور لقضية المسيح قرءانياً… وبالمقارنة الى ما خلص اليه “سامر اسلامبولي” نجد فهم نقيض تماماً لما توصل اليه “عدنان الرفاعي”.

– رؤية سامر إسلامبولي لنزول المسيح

خلص إلى أن نزول المسيح دعوى باطلة وأن عيسى عليه السلام مات كما مات كل النبيين والرسل قبله ولن يعود مجدداً إطلاقاً، وعد أن مفهوم الرجعة للمسيح أو شبيهه أو المخلص هو مفهوم تراثي دخيل من اليهود والنصارى وهو موغل في تراث البشرية نتيجة الضعف والانهزامية والاستعباد والخنوع للناس.ذهب “إسلامبولي” في بحثه المفصل إلى دراسة الكليات أولاً للانطلاق في تكوين مفهوم حول تفاصيل حياة وممات المسيح ابن مريم ومنها, وبعد تحديد وضبط الرؤية الكلية, وقف على البحث في تفاصيل الآيات التي استدل بها الرفاعي للقول بنزول المسيح آخر الزمان فقام بتفنيدها وبينها على ضوء القراءة الكلية لنصوص التنزيل التي أتت على ذكر المسيح ابن مريم..

ينطلق “إسلامبولي” من عدة نقاط في استحال القول بعودة المسيح آخر الزمان وسأذكر أهمها من وجهة نظري:

أولاً.. فكرة عودة المسيح آخر الزمان وإيمان الناس به من جديد هي فكرة تتعارض بشكل صارخ مع ختم نبوة محمد عليه السلام.. فالتنزيل الحكيم أكد بدلالة قطعية أن محمد هو خاتم النبيين ولا نبي بعده.. وما القول بعودة المسيح إلا نقض صريح للنبوة الخاتمة المتمثلة بشخص النبي محمد عليه السلام..

ثانياً.. المنطق القرءاني الصريح القطعي الذي يدلل في أكثر من موضع أن النبيين والرسل ما هم إلا بشر قد خلت من قبل النبي محمد وهي دلالة قطعية على أن كل النبيين قد أتموا ما عليهم ومن ثم توفاهم الله ولا خلود دنيوي لأحد كما تفرض عليهم سنة الله في البشر وليس المسيح مستثنى من هذه القطعية الإلهية…(وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (144) سورة آل عمران، و المسيح وأمه مريم عليهما السلام ما كانا بدع من البشر وانما كانا يأكلان الطعام كدلالة على بشرية تكوينهم الفيزيولوجي وأنهما بشر لا يمتازان عن غيرهم من الناحية الفيزيولوجية:(مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ انْظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الْآيَاتِ ثُمَّ انْظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) (75) سورة المائدة

وهنا يمكن ايراد تفنيد إسلامبولي لفهم الآيات التي استدل بها الرفاعي:

يرى الرفاعي أدلة على نزول المسيح في قوله تعالى : (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (55) سورة آل عمران، يرى الاسلامبولي أن مفهوم الوفاة هو باختصار استرجاع النفس الى بارئها فهي وفاة منتهية بموت فعلي وليس بصورة النوم ، فالوفاة عند اسلامبولي لها عدة صور قرءانياً ولكن هنا سأورد تمييزه بين الوفاة والموت خصوصاً لتعلقها الجوهري في بحث نزول المسيح..

الوفاة لسانياً هو الارجاع الكامل للشيء. فوفاة النفس لها صورتين قرءانياً.. وفاة الموت و وفاة النوم (اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (42) سورة الزمر ولكن الموت كلفظ لساني لا يترادف من حيث المفهوم الأصل مع لفظ الوفاة، فليس كل وفاة موت، حيث الوفاة يمكن أن تعني قبض النفس أثناء النوم ولا علاقة للموت هنا. وليس كل موت وفاة فالبهائم تموت أو الأرض تموت ولا تتوفى لأن الوفاة متعلقة فقط بالأنفس أما البهائم فهي تموت ولا تتوفى أي تهلك…فالموت يكون في هلاك الجسد الذي لم يعد صالح لحمل النفس فيفنى ويتحلل إلى عناصره الأولى وتستوفى النفس إلى بارئها…وهنا يخلص إلا أن الوفاة عندما تتعلق في نفس المسيح تدل على موته الفعلي في الحياة الدنيا دون رجعة واستيفاء النفس لترجع لربها لغياب أي قرينة تصرف الوفاة المتعلقة بالموت في النص إلى الوفاة المتعلقة بالنوم.

أما الرفع في قوله رافعك إلي.. لا تعني رفع المسيح المكاني اطلاقاً، فالقول بالرفع المكاني هو وقوع في فخ التجسيم لذات الله تعالى فالله منزه عن التموضع في مكان فهو ليس في السماء ولا يخضع الله تعالى أصلاً لبعدي الزمان والمكان فهو خارج الزمكان فمن يقول إن الرفع مكاني فهو قول صريح أو ضمني بالتجسيم في كون الله يجلس على عرشه في فوق السماوات السبع والله منزه عن هذا القول الشنيع.. وأما رفع المسيح فهو يتبين في دراسة معنى الرفع قرءانياً حيث يظهر جلياً أن الرفع يأتي بمعنى رفع مكانة ومقام وليس رفع مادي مكاني كما ذهب المفسرون في حين أن لفظ السماء لم يرد أصلاً في نص الرفع ولكنه اعتبار ظني منهم لما فهموه من لفظ الرفع…! (وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (176) سورة الأعراف (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) (165) سورة الأنعام (وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ) (4) سورة الانشراح فرفع المسيح هو رفع درجات وقيمة ونجاة من اليهود وليس رفعاً مادياً نهائياً.. ويؤكد إسلامبولي هذا من الآية أدناه(وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا) (157) سورة النساء(بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ) (158) سورة النساء فمن الملاحظ ورود لفظ الرفع لعيسى في سياق الرد على من يدعي أنه قتل، ولم تذكر الوفاة اطلاقاً…! مما يدل على أن الرفع مقصود به الإنقاذ من كيد اليهود لا الرفع المكاني…! ولفظ (إلي) لا يدل على الوجهة المكانية أيضاً.. فهو ليس انتقال من إلى، فوجود الله مغاير لوجود خلقه وهو لا يخضع لقوانينهم الدنيوية… واستدل بالآيات أدناه كبرهان على نفي المكانية عن الله في قوله تعالى( إني رافعك إلي)(مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ..) (10) سورة فاطر (قَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ) (99) سورة الصافات(وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ) (281) سورة البقرة.

أما عن صياغة الآية وترتيب التعهدات الإلهية فيها (متوفيك.. رافعك.. مطهرك) والتي أشكل ظاهرها على أغلب المؤمنين بعودة المسيح. والتي يرى أصحاب القول فيها دلالة على أن المسيح سيعود مجدداً لخصوصية هذه الصياغة…يقول: “إسلامبولي” إن الواو لا تفيد الترتيب فالوفاة والرفع والطهارة لا يلزم منها الترتيب بوجود حرف الواو بين هذه الأفعال الإلهية التي تعهد الله بها لنبيه..و الواو تفيد أيضاً مجرد التعداد، وتقديم وتأخير الألفاظ بحسب الأولوية التي تقتضيها الحالة التي يتم فيها الخطاب والتي تقتضيها حالة المخاطب. فاقتضى في الظرف أو الواقع الحرج من تدبير لقتل المسيح, تقديم التعهد الإلهي بوفاته على الرفع والطهارة لأن تعهُد الله بوفاة عيسى هو تأكيد على نفي إمكانية القتل له وأنه سيتوفى كما أوحى اليه ربه…فقول الله إني متوفيك مقصدها أنك لن تقتل مهما كادوا لك وأن الله ينزهك أيها النبي من القتل الذي يدبر لك ويعصمك من الناس. فاقتضى الظرف الابتداء بتعهد الله لنبيه بحفظه والعناية به ،وبعده أتى التعهد بالرفع لمكانة النبي فالتعهد بالرفع اليه إنما هو تأكيد على إنقاذه من مكر اليهود له وإيمان آخرون به وبرسالته واتباعه وحمل دعوته ورسالته من بعد وفاته أيضاً…وتطهيره في الدنيا من أي أذى مادي يمكن أن يلحق به أو أذى نفسي حتى.

أما عن قوله تعالى: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا) (159) سورة النساء يقول “إسلامبولي”:إن تحديد دلالة (إنْ.. من… إلا) لا يمكن أن يتم بمعزل عن فهم الكليات المتعلقة بالآية وفهم محل ارتباط الآية ذاتها في والواقع والتي يمكن بعدها تحديد دلالة الأحرف تلك…و يرى “إسلامبولي(انْ) ليست النافية وانما هي (إنْ) المخففة من (أنَّ)، و(من) هنا تبعيضية وليست بيانية كما في قوله تعالى:(وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ) (199) سورة آل عمران  أما (إلا) فهي ليست للحصر وإنما للتوكيد كما في قوله تعالى:(إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ) (115) سورة الشعراء (إنْ) في هذه الآية ليست نافية و(إلا) لا تفيد الحصر، فالنبي لا تقتصر دعوته على الإنذار فقط بدليل قوله تعالى في موضع آخر:(قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (188) سورة الأعراف. هنا نرى أن النبي لا تقتصر دعوته على الإنذار فقط مما يعني إن (إلا) لا تفيد الحصر هنا وإنما هي للتوكيد و(انْ) ليست نافية وانما هي المخففة من (إنّ) .ونفهم من إسلامبولي إن قوله تعالى: (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ..) تعني إن بعض أهل الكتاب لابد أنهم سيؤمنون به قبل موته للمسيح..

في حين أن باب التدبر يترك مفتوحاً في تبيان عائدية الضمائر في هذه الآية في كونها تخص النبي عيسى أم محمد عليهما السلام…رغم أن إسلامبولي قد رجح عائدية الضمائر للنبي محمد مستعيناً بسياق النصوص، كما أنه أرجع ضمير الهاء في نص (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ )(61) سورة الزخرف، إلى القرءان حسب سياق السورة كلها من بدايتها وإلى ماقبل هذا النص فالقرءان هو العلم للساعة.

بعد عرض أهم ما ورد في بحث “إسلامبولي” بشكل مختصر يمكن القول إن منهجه البحثي ينطلق بشكل نقيض كلياً عن منهجية “عدنان الرفاعي” في تدبر وفهم قضية نزول عيسى عليه السلام من حيث دراسة المنطق الدلالي للمنظومة القرءانية ككل واعتبارها محور ارتكاز لا يمكن بحث نزول المسيح أن ينفصل عن هذه المنظومة الكلية ومن ثم قراءة نصوص المسيح ابن مريم من حياته لمماته جملة واحدة لا تنفك عن بعضها وضبط حيثيات وتفاصيل ما أورده النص القرءاني في معرض الحديث عن السيد المسيح.. ومن ثم خاض في دور تحليلي وتفكيكي لألفاظ وصياغات معينة في الآيات التي ظاهرها يوحي بما خلص اليه الرفاعي، أما بالدراسة المنهجية العلمية القرءانية المنضبطة يبدو جلياً تهافت القول بعودة المسيح آخر الزمان.

– رؤية “عدنان إبراهيم” بشكل مختصر

رؤية عدنان إبراهيم لا تختلف عما خلص اليه إسلامبولي بل إن هنالك تقاطعات كثيرة في تفنيد الآيات وتحليلها…ما خلص اليه الدكتور عدنان إن المسيح لن يعود آخر الزمان وما نزوله إلا فرية كبيرة أصلها يهودي من حيث ايمانهم بعودة المخلص آخر الزمان (وهو ليس المسيح عيسى بالتأكيد بل مخلصهم هم) ومنه بنيت العقيدة النصرانية برفع المسيح نفساً وبدناً حتى عودته في الألفية السعيدة ويتضح أصل هذه العقيدة اليهودية سفر إشعياء الإصحاح الحادي عشر والتي تتطابق تماماً مع حديث لأبي هريرة في هذا الباب كون الكفار سيقتلون بأنفاس المسيح آخر الزمان…! أما في تبيان إني متوفيك ورافعك إلي فهو قارب تماماً ما خلص اليه إسلامبولي..فقال: إن الوفاة هي موت فعلي للمسيح تعهده الله في موضع وحققه في آخر من كتابه كما تعهد الرفع وحققه: فهنا كان وعد الله لوفاته ورفعه(إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (55) سورة آل عمران –وهنا تحقق هذا التعهد بوفاة المسيح وانتهاء شهادته في قومه تماماً..(مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (117) سورة المائدة وهنا تحقق الرفع للمسيح الذي هو خلاصه من مكر اليهود لقتله..(قَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا 157 بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا ) 158 النساءأما في قوله تعالى:(وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا)فقد رد على مدعي نزول المسيح بأن الآية واضحة من سياقها أنها تخص عموم أهل الكتاب فهو يرى هنا (إنْ) نافية و(من) بيانية أي ما من أحد من أهل الكتاب إلا (إلا هنا للحصر) ليؤمنن بعيسى…ولكنه يقول: إن عائديه الضمير في قوله تعالى (قبل موته) تعود على كل فرد من أهل الكتاب وليس على المسيح.. أي قبل موت الكتابي سيؤمن بالنبي عيسى ولكنه غالباً إيمان لا ينفع كإيمان فرعون عندما أدركه الغرق.. مما يعني أن الآية لا تعني ايماناً سليماً يفيد الثواب لكل كتابي عرف المسيح بل إن منهم كثير من سيخلص إلى الاعتراف بنبوته ورسالته من اليهود ولكن بعد فوات الأوان وليس المعنى أن كل كتابي سيصير مؤمناً بعيسى ونبوته ايماناً سليماً تاماً… فالإيمان لا ينفع دوما كما في قوله تعالى:(فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ..) غافر (85)

أما في قوله تعالى:(وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ )(61) سورة الزخرف ، فيرى عدنان إبراهيم إن عائديه الهاء في إنه ليست للمسيح بل هي للقرءان أي إن نزول القرءان هو علم للساعة ويزيد فيقول إن كل الضمائر التي ورد بهذه الصياغة من أول سورة الزخرف تدلل على القرءان الذي نزل على الرسول محمد:(إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (3) سورة الزخرف(وَإِنَّهُ فِي أُمِّ الْكِتَابِ لَدَيْنَا لَعَلِيٌّ حَكِيمٌ )(4) سورة الزخرف (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ) (44) سورة الزخرف (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ) (61) سورة الزخرف .

– خلاصة مختصرة من هذه المقارنة إن أي بحث يعتمد الاستدلال على قضية خطيرة وهامة كإدعاء نزول المسيح آخر الزمان من أهداب آيات متفرقات سيخلص إلى فهم ظاهري ظني كَفِرْية نزول المسيح آخر الزمان كما حدث مع الرفاعي تماماً في تناوله لآيات بمعزل عن المنظومة الدلالية للقرءان لتكوين مفهوم حول نزول المسيح..فالخوض بالجزئيات دون استدراك الكليات والانطلاق منها لمدارسة القضايا -خصوصا في تفاصيل وحيثيات حياة المسيح- يبين التخبط المنهجي للباحث وتهافت نتائجه فتكون نتيجة بحثه متضاربة ومعارضة تماماً لقطعيات القرءان كتعارض القول بنزول المسيح مع قطعية القرءان في نفي الخلود عن الأنبياء وختم النبوة ببعث النبي محمد عليه السلام وغيرها من القطعيات القرءانية التي لابد وأن تكون ركيزة أساسية على طول الخط مع بحث قضية المسيح…

أحمد الخجا1/2/ 2016