مفهوم كلمة العرب بين الفطرة والقومية

لقد تم إطلاق كلمة ( عرب)(1) على أمة معينة، والتصقت بها اصطلاحاً قومياً، واستمر انتشار هذا المصطلح القومي على حساب تقلص دلالة كلمة (عرب ) إلى أن تم زحزحة هذا المفهوم العربي الفطري وإزالته إلى صالح المصطلح القومي، و من جراء ذلك أخذ المصطلح العربي، صفة الأمة التي احتكرته لنفسها، فإن نهضت هذه الأمة صار مصطلح (العرب ) يدل على النهضة، وإن هبطت صار يدل على التخلف، والانحطاط، وهذا العمل الاحتكاري لمفهوم ( العرب) من قبل الأمة، أساء إلى دلالة المفهوم العربي الفطري، وصار صفة ذم، وقدح نتيجة انحطاط، وتخلف الأمة التي احتكرته لنفسها.
والقوم العرب هم الذين نشروا، وكرَّسوا حصر مفهوم دَلالة ( العرب ) بالقومية، وغيّبوا المفهوم الفطري لكلمة ( عرب )، وقديماً قيل : أهل مكة أدرى بشعابها.
فأخذت الأمم الأخرى -خاصة الغرب منهم- هذا المفهوم القومي، وتم التعامل مع مفهوم كلمة ( عرب ) حسب الواقع الذي تجسده الأمة التي احتكرت هذا المصطلح، وسمّت نفسها به ( الأمة العربية ) التي تعيش على جغرافية معينة، رغم أنهم على الغالب لا يملكون من الصفة العربية إلا لسانها، ويستخدمونه بصورة أعجمية، وترتب على هذا العمل القبيح؛ العداء والحقد لمفهوم ( العرب ) وصار مفهوماً مقترناً بالذم، والقدح، والتخلف والانحطاط، لدرجة أنه صار في الغرب كلمة ( عربي ) شتيمة؛ لأنها تدل على الإرهاب والإجرام، والتخلف، والتعصب، والانغلاق، ورفض الآخر، إلى غير ذلك، فصارت في ثقافة الغرب، مثلها كمثل دلالة كلمة ( يهودي ) التي تدل على الانغلاق على النفس، وتقليد الآباء، ورفض الآخر، والغدر، والخيانة، والأنانية، والجشع، والبخل، والكره، والحقد، ومص دماء الناس !.
فعلى ماذا تدل كلمة ( العرب ) ؟
لنقوم بتحليل أصوات كلمة ( عرب ) :
ع : صوت يدل على عمق أو بُعد في الشيء.
ر : صوت يدل على تكرار.
ب : صوت يدل على تجمع مستقر.
سيرورة تسلسل الحركات الصوتية فيزيائياً، إيضاح معالم بعيدة من عمق المجهول، نتيجة لإعادة ترتيب وتكرار نظام معين، تجتمع كامنة ومستقرة بعد غياب.
ويدل المعنى الاجتماعي من خلال أبعاد التاريخ وعمق الفطرة استمرار نظام الإصلاح البيئي والاجتماعي، ويظهر مجتمعاً على مر الزمكان ومنبثقاً بعد كل غياب من فساد وانحراف فهو كامن باستقراره.
وإذا اجتمعت هذه الأصوات بترتيب كلمة ( عرب ) تدل على عمق أو بُعد مكرر، منته بجمع مستقر، وهذه الدلالة الفيزيائية لأصوات أحرف كلمة ( عرب ) تدل اجتماعياً على أصالة الشيء،وقيامه بذاته على ما هو عليه، وقدمه، ووجوده الفطري دون تدخل يد الإنسان به صنعة، فهو على طبيعته التي نشأ عليها مع محافظته على علاقته مع أصله، بصورة منسجمة تماماً.
ومن الطبيعة والفطرة الأصيلة بعيداً عن الفساد والانحراف ظهرت صفة العروبة للأشياء.
مثل :
1- الحكم العربي : {وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَاهُ حُكْماً عَرَبِيّاً وَلَئِنِ اتّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ مَا جَآءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللّهِ مِن وَلِيّ وَلاَ وَاقٍ} ( الرعد 37)
2- القرآن العربي : {إِنّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لّعَلّكُمْ تَعْقِلُونَ} ( الزخرف3) أي صيرناه قريناً لكتاب الكون ومنسجماً بأصالته وصفائه مع سنن الفطرة والطبيعة لعلكم تعقلون.
3- الأرض العربية: وهي الأرض الصالحة بيئياً للحيوان.
4- الأخلاق العربية : وهي القيم الأصيلة والصالحة على مر الزمكان بين الناس، نحو إغاثة الملهوف، وإكرام الضيف، ونصرة المظلوم، والوفاء بالعهود والمواثيق…..الخ.
5- الحصان العربي، والسمن العربي، والقعدة العربية، والقهوة العربية، والخبز العربي، واللباس العربي، والنهار العربي، والخليج العربي…. الأصيل والصافي والطبيعي الصالح والصحي(1).
كل ذلك لا علاقة له بالقومية العربية، وإنما علاقته بالأصالة،والقِدم، والفطرة، وعدم تدخل الصنعة به زيادة، أو نقصاناً.
لذا؛ ينبغي تحرير مفهوم كلمة ( العرب ) من القيود القومية، وإرجاعه إلى دلالته؛ مفهوماً إنسانياً، يدل على المدح والصفاء والنقاء، ويكون أساساً لالتقاء الأمم عليه، وعدم تسييسه، أو حصره بقومية معينة؛ ليرجع إلى ممارسة دوره الفاعل الإنساني، ويصير مفهوم ( العربي ) يدل على المدح، والنهضة، لا علاقة له بصفة الإنسان القومي الذي احتكر مفهوم العربية لأفكاره؛ ونمط حياته، أبداً.
وينبغي أن يزول من نفوس الشباب، الشعور بالدونية من انتمائهم العربي، وعدم محاولة إخفاء ذلك الانتماء من خلال الاختباء وراء لسانٍ أعجمي، أو امتلاك ورقة تدل على أعجمية الإنسان؛ ونفي عربيته؛ لأن مثله كمثل الإنسان السليم – عقلاً -، ويحاول أن يتشبه بالمرضى في طريقة سلوكهم،بل ويشعر بالخجل من سلامته العقلية والجسمية بين المرضى !.
فقولي : أنا إنسان عربي، تعني؛ أنا إنسان أصيل فطري، ذو أخلاق وقيم إنسانية، منسجم مع الكون، ونفي صفة العربي عن الإنسان، تدل على أنه إنسان أصابته العجمة تفكيراً وسلوكاً، ويعيش بصورة مخالفة للبيئة، ومفسد لها، من حيث المسكن والمآكل، ونمط حياته بصورة عامة، ويصير أعرابياً