الفرق بين دلالة الفعل الثلاثي، والفعل الرباعي وكلمة (يُطيقونه) نموذجاً

اللسان العربي لسان محكوم بالمنطق والسنن الكونية، ومن هذا الوجه أخذ صفة العربية، ومن أهم قواعد اللسان العربي هي ( إذا اختلف المبنى اختلف المعنى) وذلك على صعيد الجملة أو الكلمة ذاتها، وأي زيادة في تركيب الكلمة هو زيادة في المعنى حسب الزيادة، مثل : كتب، يكتب، اكتب، مكتب ، كاتب ، كتيبة، مكتوب…، وأي تقديم أو تأخير في تركيب أصوات الكلمة يؤثر على معناها مثل: كتب، بتك، بكت، وكل كلمة ثلاثية لها ستة احتمالات في تركيب اصواتها ويوجد منها ما هو مستخدم وله معنى ثقافي ويوجد ما هو غير مستخدم وليس له معنى ثقافي مع وجود المفهوم اللساني الفيزيائي:
كتب، كبت، تكب، تبك، بكت ،بتك.
وذلك مثل المعادلة الكيميائية أي تغير في نسبة عناصرها يؤثر على النتيجة
ومثل الرياضيات أيضا فـ 5× 6 غير 5× 7، مع ملاحظة أن اللسان العربي محكم أكثر من الرياضيات ذاتها ففي عملية الجمع والضرب لا يتغير الجواب ولو غيرنا ترتيب الأرقام، مثل: 5× 8 = 8×5، وكذلك الجمع ، بينما في اللسان العربي لا يمكن ذلك أبداً فـ: ك + ت + ب (كتب) لا تساوي ب + ك + ت (بكت) رغم أن الأصوات ذاتها.
والقرءان نزل بلسان عربي مبين محكم بقوانينه التي هي السنن الكونية والمنطقية ذاتها.
الفعل الثلاثي: (ضرب) ومضارعه منصوب الياء( يَضربُ) هو من الأفعال المتعدية التي تتجاوز الفاعل و تحتاج إلى مفعول به ليظهر فعل ضرب ويتم المعنى عند المتلقي للخطاب، وهذا بخلاف فعل (نام) الذي هو من الأفعال اللازمة التي لا تحتاج إلى مفعول به لقيامها بالفاعل ذاته ولزومها له، والمعنى يصل إلى متلقي الخطاب.
الفعل الرباعي: (أضرب) ومضارعه مضموم الياء ومكسور ما قبل الحرف الأخير (يُضرِبُ) بخلاف المبني للمجهول يكون الحرف ما قبل الأخير مفتوح( يُضرَبُ) والدلالة تختلف بينهما.
وهذه الهمزة في الفعل الرباعي تقوم بعملية تغيير اتجاه الفعل أو تضيف له معنى زائد عن الفعل الثلاثي، لذا، سميت همزة الإزالة أو التغيير، وتأتي على أوجه:
1- فعل ثلاثي لازم تدخل الهمزة عليه فتحوله إلى فعل رباعي متعدي.
– صلَح وأصْلَح
فعل (صلَح) الثلاثي لازم يتعلق بجار ومجرور {رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُم وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }غافر8.
فعل (أصلح) الرباعي المتعدي بمفعول به {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَآمَنُوا بِمَا نُزِّلَ عَلَى مُحَمَّدٍ وَهُوَ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَأَصْلَحَ بَالَهُمْ }محمد2
{إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَبَيَّنُواْ فَأُوْلَـئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ }البقرة160، والمعنى أصلح ما أفسد {فَمَن تَابَ مِن بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ }المائدة39.
– بصُرَ وأبْصَر
{قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِّنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي }طه96
فعل ثلاثي متعدي(بصُرَ) حصل دون تعمد ببذل جهد وقوة.
{قَدْ جَاءكُم بَصَآئِرُ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ عَمِيَ فَعَلَيْهَا وَمَا أَنَاْ عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ }الأنعام104
فعل رباعي متعدي ( أبْصَر) حصل عن تعمد ببذل جهد وقدرة.
– ضحك وأضحك
{وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاء إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ }هود71
{وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى }النجم43
– مات وأمات
{وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَداً وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُواْ وَهُمْ فَاسِقُونَ }التوبة84
{وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا }النجم44
2- فعل ثلاثي لازم تدخل الهمزة عليه فتحوله إلى رباعي لازم يتعلق بالآخر.
– صبر وأصبر
{وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ }الشورى43
{أُولَـئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ }البقرة175
3- فعل ثلاثي متعدي تدخل عليه همزة الإزالة فتحوله إلى رباعي متعدي
كره وأكْرَه
{وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ }التوبة46
{إِنَّا آمَنَّا بِرَبِّنَا لِيَغْفِرَ لَنَا خَطَايَانَا وَمَا أَكْرَهْتَنَا عَلَيْهِ مِنَ السِّحْرِ وَاللَّهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى }طه73
نموذج تطبيقي على دلالة الفعل الثلاثي والفعل الرباعي وكيف يختلف الفهم
فعل طاق ثلاثي متعدي، وفعل أطاق رباعي لازم مثل فعل كره وأكره، والفرق بينهما مثل الفرق بين فعل صبر وأصبر، وفعل طاق يَطيق طاقة يدل على القوة و الجهد، و الطاقة احتوت الفعل التي هي ضمن الاستطاعة العامة لأن الاستطاعة أوسع من الطاقة ، أما الفعل الرباعي : أطاق يُطيق إطاقة، فالفعل استنفذ الطاقة واستهلكها من خلال بذل الجهد والقوة لتحقيق الشيء وتجاوزها إلى استهلاك الاستطاعة العامة وأصابت الفاعل بحرج أو ضعف أو إضعاف في طاقته ونشاطه ومنعته من الفاعلية في الحياة، فهذا الشخص الذي كادت تنفذ طاقته أو نفذت يتحول إلى الفداء كبديل عن الصيام .
{أَيَّاماً مَّعْدُودَاتٍ فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَن تَطَوَّعَ خَيْراً فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ وَأَن تَصُومُواْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ }البقرة184
وفي النص المعني بالدراسة أتى استخدام فعل (يُطيقونه) من الفعل الرباعي (أطاق) وليس من الفعل الثلاثي (طاق)، لذا؛ لايصح الخلط بينهما أو تفسير الرباعي بدلالة الثلاثي ليصير المعنى يَطيقونه بفتح الياء ويدخل فعل الصيام بالطاقة وتحتويه، ويصير النص من حيث السياق عبثاً ومتناقضاً في حال فهمناه مع الأمر بالصيام،{ فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَن كَانَ مَرِيضاً أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ }البقرة185، لأنه لا يستقيم الأمر بالوجوب وبالوقت ذاته جعل الأمر للتخيير، والتطوع في النص عائد لطعام المسكين وليس للصيام، وجملة (أن تصوموا خير لكم) عائدة إلى المكلف بالصيام و َيَطيقه.
بينما أتى النص بفعل (يُطيق) مضموم الياء من الفعل الرباعي (أطاق) والهمزة غيرت وأضافت معنى زائداً على الفعل الثلاثي(طاق) وهو بذل الجهد والقوة فوق الطاقة لتنفيذ الصيام مما أدى لاستهلاك الطاقة وإصابة الصائم بالحرج والمشقة والمنع من ممارسة نشاطه وفاعليته ،وهذا الإنسان رخص الله له الإفطار مع الإطعام لمسكين عن كل يوم ، وحضه على التطوع أكثر في زيادة إطعام المساكين، وشجعه على اختيار الصيام ولو مع المشقة والصبر واستهلاك الطاقة، وكل إنسان أدرى بنفسه وطاقته وظروفه ، وما ينبغي أن يُستخدم إطعام المساكين وفائدة ذلك على المجتمع اقتصادياً كمفهوم لإسقاط حكم وجوب الصيام، فهذا العمل له قنواته من الصدقات والتبرعات.