تحريم أكل الحيوانات اللاحمة أو الخبيثة
لقد اشتهر في الفقه التراثي أن تحريم أكل الحيوانات اللاحمة أتى من خلال الحديث النبوي ، ولم يأت في القرآن ، وعدُّوا ذلك الفهم برهان على أهمية وضرورة الحديث النبوي ، وأن القرآن لا يستغني عن الحديث ، حتى قالوا : ما أحوج القرآن للحديث ، ولولا الحديث لهلك القرآن !!! وما أشبه هذه المقولات الضيزى!! التي ملأت كتب أصول الفقه ، وساهمت في إبعاد المسلمين عن كتاب ربهم إلى صالح التعامل مع الحديث النبوي . فضلوا وأضلوا الأمة معهم. إن أساس التشريع الإلهي, والأصل الذي ينبغي أن يعتمد عليه هو القرآن . الذي احتوى الشرع الإسلامي كاملاً بحلاله وحرامه وواجبه
.] اليوم أكملت لكم دينكم ]المائدة 3 فالقرآن أصل لا يسبقه أحد ، ولا يحتاج لأحد أبداً ، فهو حبل الله المتين [واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ]آل عمران 103 . فالحرام ما حرمه الله في كتابه نصاً أو دلالة ، والحلال ما أحله في كتابه سكوتا . قال تعالى :[ قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده ]الأعراف 32] يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك ]التحريم 1] سخر لكم ما في السموات وما في الأرض ] الجاثية 13 [ إني جاعل في الأرض خليفة ]البقرة 30] أحل الله البيع وحرم الربا ]البقرة 275]قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ] الأنعام 151]وقد فصل لكم ما حرم عليكم ]الأنعام 119 فقام علماء الأصول بترجمة دلالة هذه الآيات وغيرها في قاعدة أصولية وهي:]الحرام مقيد بالنص ، والحلال مطلق]أو [ الأصل في الأشياء(والأفعال) الإباحة إلا النص ظاهراً أو دلالة ] فإذا ادعى أحدهم أن حكم شيء أو فعل ما حرام ، وجب عليه أن يأتي بالبرهان على حرمة ما ذكر . بخلاف حكم الإباحة فهو الأصل في الشيء ، ولا يحتاج إلى برهان يدل على إباحته ، فحكم الإباحة لا يحتاج إلى برهان بعينه لأن الأصل هو التسخير ، بخلاف الحرام فيحتاج القائل به إلى برهان ، وإلاَّ يرد قوله إلى الأصل في الأشياء الإباحة إلا النص ، وهذا ينطبق على الأشياء والأفعال دون تفريق بينهما . ومسألة أكل لحوم السباع تخضع إلى ذات القواعد والأصول ، فالأصل فيها هو الإباحة لتناولها إلاَّ إذا أتى نص ( قرآني ) يحرمها . والدارس لآيات تحريم المطعومات يجد نص التحريم الآتي]: قل لا أجد فيما أوحي إلى محرما على طاعم يطعمه إلاَّ أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير فإنه رجس ] الأنعام 145 والنص الثاني في التحريم : ] حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير … [ المائدة 3 والنص الثالث] : إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير لله به ..،ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلال هذا حرام لتفتروا على الله الكذب]النحل 115-116 وفي النصوص الثلاثة نجد أن المحرمات بالنص عينا هي ثلاثة أمور فقط لا غير ، والرابع صفةً لا عيناً ، وأتى ذلك بسياق صياغة الحصر كون أداة ( إلا ) قد سبقها نفي ( لا أجد ) وبالتالي فالنص غير قابل للفتح أو الزيادة عليه أبداً ، لأن الزيادة عليه تنقض دلالة ( إلا ) الحصرية ويصير النص عبثاً !! . والملاحظ في النصوص ورود كلمة ( الدم ) الذي هو موجود في كل الحيوانات اللاحمة والنباتية, والبشر منهم , وحكم تناول الدم ( سائلاً أو جامداً) أكلاً حرام بالنص , والدم يشارك اللحوم في العناصر الأساسية لبنية الخلية , وحامل لعناصر بناء اللحم بصورة دائمة , كما أنه متغلغل في بنية اللحم من خلال وصوله إلى جميع الخلايا لنقل الغذاء لها , فهو موجود في بنية اللحم بصورة لازمة , ولا يمكن فصله عن اللحم في الواقع الغذائي , مما يقتضي أن يأخذ فعل أكل اللحم حكم تناول الدم ضمناً من حيث التحريم , وذلك مثل السم إذا تم دسه في الطعام , فيأخذ الطعام حكم السم ضرورة لتغلغل السم في بنيته , فحكم المنع أو النهي متعلق بتناول السم عيناً واقتضاءً يتناول النهي عن تناول الطعام المسموم .وهكذا يدخل تحريم أكل اللحم اقتضاءً في حكم تحريم الدم منطوقاً . فيحرم أكل جميع الحيوانات اللاحمة والنباتية, والبشر منها على حد سواء ، هذا ما أتى النص به في منطوقه ومقتضاه !! . والاستثناء من نص التحريم السابق ما ينبغي أن يتوجه إلى منطوقه ( الدم) أبداً,لأنه يحصل التناقض مع صياغة الحصر التي أتى نص التحريم بها ، ولكن ممكن أن يتوجه إلى مقتضى النص ( لحوم الحيوانات ) ويستثني بعضاً منها . وهذا ما حصل في التشريع إذ قال تعالى [أحلت لكم بهيمة الأنعام إلا ما يتلى عليكم ] المائدة 1 نلاحظ أن النص أتى مستخدما كلمة [ أحلت لكم ] بخلاف القاعدة الأصولية التي تقول:إن المباح لا يحتاج إلى نص من باب أن الأصل في الأشياء الإباحة إلا النص. فما سبب إتيان نص الإباحة لبهائم الأنعام ؟ والسبب ما ذكرنا آنفاً من أن التحريم أتى عاماً للدم بمنطوق النص, واقتضى تحريم لحومها لأن الدم داخل في بنيتها لزوماً ، وذلك بصياغة الحصر للمنطوق الذي هو ( الدم ) وعمومية المقتضى الذي هو(اللحوم ) فانتفاء وجود نص يستثني حكم تحريم بعض اللحوم يقتضي استمرار دلالة التحريم عموماً لكل الحيوانات اللاحمة والنباتية ، ومن أجل ذلك أتى نص يستثني بهائم الأنعام من حكم التحريم العام السابق ، واقتضى أن يأتي صياغة نص الإباحة بصياغة [ أحلت لكم ] لوجود نص التحريم العام سابق عنه . والمستثنى من الحرام هو بهائم الأنعام فقط ، مما يؤكد استمرار حكم التحريم على البهائم المنتفي عنها صفة ( الأنعام ) ! فما هي بهائم الأنعام ؟ قال تعالى : [ كلوا وارعوا أنعامكم ] طه 54 [ وفاكهة وأبا ، متاعاً لكم ولأنعامكم ] عبس 32[ فنخرج به زرعاً تأكل منه أنعامهم وأنفسهم ] السجدة 27 إذاً , بهائم الأنعام هي بهائم نباتية ليست لاحمة, فتكون البهائم النباتية هي المستثناة بقوله تعالى :[ أحلت لكم بهائم الأنعام ] من نص التحريم العام [ حرمت عليكم ] و [ قل لا أجد فيما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير ] مع استمرار حكم التحريم للدم بمنطوق النص, وتحريم لحوم البهائم اللاحمة بمقتضى النص. وبذلك يظهر لنا أن القرآن قد تناول حكم أكل لحم الحيوانات اللاحمة(السباع ومنها الكلاب والضباع ) وأعطاها حكم التحريم وكذلك لحم البشر ، وبناء على ذلك يظهر لنا صحة متن الحديث النبوي الذي يقول[حرم عليكم كل ذي ناب من السباع ، وكل ذي مخلب من الطير ] لتوافقه مع دلالة النص القرآني ، إذ هو ترجمة لدلالته ليس أكثر . فهو بين يدي القرآن لا يتجاوزه أو يسبقه ، فالنص القرآني هو القاضي والمسيطر والمهيمن على أفهام الجميع على حد سواء . أما حيوانات البحر فهي مباحة على إطلاقها اعتماداً على أن الأصل في الأشياء الإباحة إلا النص . وانتفاء وجود نص تحريم متعلق بالحيوانات البحرية يدل على إباحتها دون استثناء أو تفريق بين لاحم أو نباتي . ومن هذا الحكم المباح العام أتى قوله تعالى : [ أحل لكم صيد البحر وطعامه متاعاً لكم وللسيارة … ] المائدة 96 وذلك خطاب للإنسان المحرم بالحج إذ حرم الشارع عليه الصيد بقوله تعالى[يا أيها الذين آمنوا لا تقتلوا الصيد وأنتم حرم … ] المائدة 95 واستثنى حكم تحريم صيد البحر بالنص السابق ، فهو ليس نصاً لتبيين حكم أكل الحيوانات البحرية, لأن ذلك معلوم من خلال سكوت الشارع عنه ، وإنما هو نص لإباحة صيد البحر للإنسان المحرم الذي أراد الحج . بخلاف صيد البر فهو حرام عليه . أما سوى ذلك من الحيوانات فحكمها يخضع لقاعدة ( الخبائث )وهي صفة لازمة لما حرم الله من المطعومات عيناً , وصفة عارضة للحيوانات الأخرى . قال تعالى : [ ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ] الأعراف 157 فأي حيوان طائراً كان أم زاحفاً أم جارياً يتناول في غذائه الخبث يحرم أكله ، وحكم التحريم مرتبط بغذائه ، فإن كان أساس غذائه الخبث بصفة لازمة له ، يأخذ حكم التحريم الدائم . نحو جرذ المجاري, وإن كان غذاءه الخبث بصورة عارضة ، يأخذ حكم التحريم ما دام يتغذى بالخبث ، فإذا عُلِفَ طاهراً وأُبْعِدَ عن الخبث يرجع إلى حكم الإباحة . نحو الأنعام والطيور التي تتغذى بالقاذورات أو الأشياء العضوية, فتحرم مادامت تتغذى بذلك ، وترجع إلى حكم الإباحة إذا عُزلت وعُلفت طاهراً .وهذه الحيوانات معروفة في كتب الفقه باسم (الجَلاَلة)
الخلاصة
-1أكل الميتة ( البرية ) حرام ، وتناول الدم حرام ، ولحم الخنزير حرام بالنص عيناً.
-2يحرم أكل الحيوانات ( السباع والطيور والبشر ) اللاحمة بدلالة مقتضى النص
3-كل حيوان نباتي مباح أكله عموماً ، مع توجيه بعض منها لوظائف الركوب والحمولة نحو الفيلة والخيل والحمير والبغال و ما شابه ذلك من حيوانات الخدمة والتسخير المعلومة .
-4الحيوانات (البرمائية) تندرج تحت قاعدة الحيوانات البرية , فما كان منها لاحماً مثل التمساح فيحرم أكله , وماكان منها نباتياً مثل فرس النهر يباح أكله
5-كل حيوان يتغذى بالخبث يأخذ حكم الخبيث ويحرم أكله استمراراً أو عارضاً فالحكم يدور مع الغذاء الخبيث مثل الضفادع والزواحف التي تتغذى على الحشرات .
6- ميتة البحر ( المالح ) أو صيده مباح على إطلاقه
7- ميتة الأنهار والبحيرات ( العذبة ) يرجع حكمها إلى صلاح أو فساد الميتة, وتخضع لقاعدة الخبائث .
8- الحيوانات (الماء برية) مثل البطريق والفقمة حكمها حكم الحيوانات البحرية
9- الطيور التي تتغذى على صيد البحر حكمها حكم الحيوانات البحرية مثل الحوت والقرش . يباح أكلها
وما سوى ذلك من الحيوانات على كافة أنواعها سكت الشارع عنها ، وترك حكم أكلها للمجتمع يقرر ذلك من خلال العلم والمصلحة العامة ، ويكون منعاً علمياً أو بيئياً أو اقتصادياً أو عرفياً … الخ وليس حكماً شرعياً له صفة الأبدية .
مجموعة من القواعد الهامة في أصول الفقه
1- الأصل في الأشياء الإباحة إلا النص أو ما دل عليه النص قطعاً.
2- الأصل في أكل اللحوم و الدماء الحرمة إلا النص أو ما دل عليه النص قطعاً.
3- الطعام الخبيث لحماً أو غيره يمنع تناوله مادامت صفة الخبث فيه.
4- الأصل في الشعائر التعبدية التقيد بالنص .
5- الحرام مقيد بالنص ، والمباح مطلق ولا يحتاج إباحته لنص، ولا يطبق إلا مقيدا بنظام المجتمع.
6- الأصل في البيوع والتجارة الإباحة إلا النص.
7- الأصل في العادات والتقاليد وما شابه ذلك الإباحة إلا النص.
ما رأي حضرتك في النظام الغذائي النباتي الحصري في ضوء القرآن. هل التوقف عن اكل لحوم الأنعام رأفة بها يخالف مشيئة الله في تحليل اكل لحوم الانعام؟ بارك الله فيك
حكم المباح هو للخيار بين فعله وتركه ، فلذلك لايوجد معصية في تركه ولا ثواب في فعله ولايصح الانكار على من يفعله