رؤية معرفية قرءانية إنسانية

بصرف النظر عن المدارس الفلسفية واختلافها فأنا أعرض المفاهيم من خلال دراسة القرءان والتفاعل معه وإسقاطه على محله من الخطاب والواقع ليشهد على صحة المفهوم .
ما ينبغي مناقشة المصطلحات طالما أنه لامشاحة في الاصطلاح ومن الجيد ضبط المفاهيم حتى يصير تواصل معرفي بين الأطراف المتحاورة.
مصطلح (الجوهر) مفهوم فلسفي غير ملزم لنا كما أن مفهوم (الشكل) كذلك ، والذي يهمنا هو أن الوجود الموضوعي يتمتع بوجود حقيقي وليس ذهنياً ولاوهماً، وهو محكوم بقوانين وسنن لازمة لاتنفك عنه، وهذه السنن التي تحكم حركته بكينونته وسيرورته وصيرورته هي شيء آخر غير وجوده الشيئي، ووجودها وجود علمي سنني وليس وجوداً موضوعياً ، فالقانون غير الشيء الذي يحكمه ، وهذا الشيء سواء أطلقت عليه جوهر أو شكل فهو في واقع الحال صورة وهذه الصورة لها ظاهر وباطن تربطهما علاقة جدلية لاتنفك عن بعضهما ويؤثران ببعضهما، وهذا ماعبر عنه بعضهم مادة / روح، وقصد بكلمة (المادة)الصورة المجسدة والتي تتمتع بوجود حقيقي ذات أبعاد ، وقصد بكلمة ( الروح) الجانب السنني الذي يحكمها بشكل لازم، ومفهوم الحياة أوالحيوي ينبغي ضبطه ، فمن حصره بالكائنات الحية المعروفة ( نبات حيوان إنسان) لم ينف عن الجماد الحركة ، ومن قال إن الحركة هي الحياة وبالتالي كل الوجود الكوني الموضوعي بمختلف صوره هو كائن حي، يبقى اختلاف اصطلاحي ، المهم بالموضوع هو الحركة الحرة الواعية والغائية هي خاصة للكائن الإنساني وبالتالي هو الذي يتمتع بحياة لها قيمة ومحترمة.
والإنسان صورة موضوعية تحتوي ثلاث صور متداخلة ببعضها بشكل جدلي: صورة الجسم، وصورة النفس، وصورة الروح، جسم + طاقة حياتية+ نفس عاقلة + روح = إنسان
والوجود الشيئي يظهر في الواقع بصور متغيرة ومتطورة، ولايفنى الشيء وإنما تفنى الصورة له لتتغير إلى صورة أخرى مثل حرق الخشب وتحوله إلى رماد ، فالشيء من حيث هو شيء موضوعي (مادة خام) لم يفنى وإنما فنيت صورته التي كان عليها وبالتالي انتقل إلى سنن أخرى تحكم الصورة الجديدة ، ولذلك نقول الشيء الموضوعي ( مادة خام) لاتفنى ولاتهلك وهي سرمدية الوجود بمعنى لانهاية لوجودها.
وهذا الوجود الموضوعي بصوره المختلفة والمتنامية يقوم على مجموعة من السنن الكلية التي تحكمه التي منها:
1 – قانون الحركة ، لايوجد في الكون ( الشيء الموضوعي ) ثبات وسكون فهو يقوم على الحركة البنيوية الداخلية في ذاته سواء أكان مادة خام أو انتقل إلى أي صورة ظهر بها ، وهذا لايستثنى منه أي صورة للوجود الموضوعي ما يسمى ( جماد نبات حيوان إنسان..)، وطبيعة هذه الحركة لها صور:
-حركة جدلية ضدية تؤدي إلى التلاؤم والانسجام بين طرفين أو عنصرين سواء في داخل الشيء ذاته كالذرة أو صورتين منفصلتين عن بعضهما كالذكر والأنثى
– حركة جدلية نقيضية في الشيء ذاته بنيته الذاتية تؤدي للتطور والهلاك نهاية لينتقل إلى صورة أخرى مثل موت الكائنات ، وفي هذا النوع قال ارسطو بمدا الهوية وقصد الصورة التي يوجد بها الشيء ، فعندما يكون الخشب بصورته تلك فهو ليس صورة الرماد قطعاً ولاينطبق عليه سنن الرماد والعكس صواباً، وثبات الهوية (الصورة) ليسنفي لقانون الهلاك والتحول على صورة اخرى ، وإنما هو ثبات الخشب على صورته مادام خشباً، فإذا تحولت صورته إلى رماد بقانون أخذ هوية ( صورة) أخرى، والمقصد أننا حينما نتعامل مع الصور نتعامل معها بصورتها الحالية الماثلة أمامنا
-حركة جدلية تعاقبية وتظهر هذه العلاقة بين ظواهر الطبيعة مثل السخونة والبرودة أو الليل والنهار ، يجتمعان في نقطة تكون نهاية الاول وبداية الآخر
– حركة جدلية فكرية نقيضية وتكون بالحكم على المفاهيم والافكار والاحداث إما حق أو باطل ، وفي هذا النوع يصح كلام أرسطو (الثالث المرفوع).
2- الوجود الموضوعي يقوم على العلاقة الثنائية والزوجية ولايوجد شيء أحادي
3- التوالد المستمر للوجود وهو قانون مبني على قانون الحركة بصورتيه الضدية و التناقضية
4- بما أن الوجود الموضوعي يقوم على الحركة نتج عن ذلك الزمن كبعد رابع له ، وهذا الزمن يظهر بالوقت النسبي الذي يتعلق بطبيعة حركة الشيء، فلايوجد زمن دون حركة ، ولاحركة دون مكان ( صورة شيئية موضوعية)
5- تقوم الحياة على صورة الماء بأنواعها ( الغازية أوالسائلة أوالصلبة أو الرطوبة)
6- الإنسان جزء لايتجزأ من الوجود الكوني الموضوعي وهذا يقتضي أنه لايحيط به علماً ، ويتعامل معه بصورة نسبية حسب أدواته المعرفية المتنامية والمتطورة، وبالتالي كل معارفه نسبية وليست مطلقة
7- يقوم الوجود الموضوعي على نظام العلاقات بين عناصره وصوره
8- يسير الوجود الموضوعي إلى الأمام عموما ويتوسع ويتنامى ويتطور ليصل إلى مرحلة النهاية الحتمية للصور مهما طال الزمن ويرجع إلى المادة الخام الصورة البدائية للخلق
9- حركة الوجود الكوني الموضوعي يقوم على محور الثابت والمتغير بالوقت ذاته وهذا طبيعة قانون الحركة بأنواعها
10- الوعي وظيفة تميز بها الكائن الإنساني عن سائر الكائنات ، ونقصد بالوعي التصرف بحرية وغائية
11- تميز الكائن الإنساني بامتلاكه نفس وهي نظام برمجي (صورة) منفوخة بجسمه ( الدماغ) صار على موجبها إنساناً واعياً مميزا مدركاً.
12- عندما صار الكائن الإنساني واعياً حراً صار كائناً اجتماعياً ضرورة .
13- بولادة الوعي والمجتمع تأسس التفكير عند الإنسان كظاهرة اجتماعية
14- بظهور الوعي وولادة المجتمع وتأسيس التفكير ظهر النظام الصوتي ( اللسان) كوعاء حامل وحافظ للمعلومات وبالوقت ذاته حقل للتفكير وأداة للتواصل المعرفي بين الناس.
15- الواقع ( الوجود الكوني بصوره) سابق عن الفكر والعلم به وهو أصل وأساس للتفكير وتحصيل المعلومات وبالوقت ذاته هو موضع التفكير والدراسة
16- الوجود الكوني الموضوعي الذي يقوم على الحركة ابتداء وهي لازمة له هي شيءغير بنيته وإنما نظام سنني مفروض عليه سواء بصورة جزئية أو بصورته الكلية ، بمعنى أن الجزء قد يستمد حركته من جزء آخر أو وظيفته ولكن في النهاية الوجود الكوني كله بكل صوره يستمد نظامه وقوة حركته من غيره لامحالة ، ومثل ذلك كم قام بصنع دائرة مؤلفة من كرات صغيرة تمسك ببعضها ، ووضع لها نظام حركي (قوة ذاتية) وهذه الكرات شكلت الدائرة كلها وتماسكت وأغلقت على ذاتها وصارت تسير بقوة الحركة الموضوعة بها ، فالمشاهد لها بشكل ظاهري يظن أن حركة الدائرة ذاتية لابداية ولانهاية لها، ولكن من يدرسها يدرك أن الحركة لها بداية ضرورة وإغلاق الدائرة كانت نتيجة قيام الفاعل بذلك وليس هو فعل ذاتي لها ، وظهور حالة الإنغلاق وانتفاء ظهور البداية من النهاية في الدائرة لاينفي أن الدائرة ككل لها بداية في صنعها ونهاية في حركتها وتتلاشى.
17- الإنسان موجود في الكون ليقوم بدور عظيم على صعيد شخصه من خلال تفاعله مع المجتمع والواقع
18- الموت للإنسان هو خروج نفسه التي نفخت في دماغه وتوفيها ، وفناء جسمه كصورة وتحوله إلى صورة الخلق الاول مادة خام ( عناصر الخلق الاولية )
19- النفس كائنة سرمدية محافظة على هويتها لاتفنى وتحتفظ ببيانات الشخص الذي شكلها في الحياة الدنيا وصار بها زيداً أو عمراً، صالحاً أو طالحاً.
20- الحرية في الإنسان قانون نفسي من الحاجيات النفسية التي تقوم عليها ، فالكائن الإنساني ملزم بممارسة الحرية خلقاً.
21- الأخلاق قانون اجتماعي ملزم للناس لايطلب أحد عليه البرهان
22- كل الناس سواسية من حيث الخلق كلنا من تراب وإلى تراب كأجسام، وتتفاوت نفوسنا بما نكتسب من علم ومعرفة وعمل صالح نرتقي به ونزكو
23- بما أن الإنسان يولد حراً فلا شك هو يملك حرية الفكر والتصورات وهي جزء من شخصيته
24- لايحق لأحد أن يكون وصياً على أحد في تصوراته وفكره لأن الجميع لهم الحق ذاته
25- لايحق لأحد أن يحاسب أحد على فكره أو تصوراته
26- علاقة الناس في الدولة فيما بينهم تقوم على العقد الاجتماعي فقط والمواطنة ودولة المؤسسات المدنية بصرف النظر عن العرق أو الملة
27- لايحق لأحد شن حرب لنشر فكر أو تصورات مجتمع على آخر فهذا ظلم وعدوان وتعدي على حريات الآخرين
28- الأصل في علاقة الشعوب التعايش والتعارف والتعاون
29- مفهوم الإسلام العام المطلوب تحقيقه بين الناس يقوم على السلم النفسي والسلام السلوكي بصرف النظر عن الملة أو الدين .
30- يقوم المجتمع على جانب ثابت في تشريعه منبثق من ثقافته، وجانب متغير يتحرك به وفق المناسبات والظروف والأحسن
31- الأخلاق نظام اجتماعي ثابت ، والقيم كذلك ، وما يسمى الوصايا العشر ، ونظام العلاقات مع المحارم في الأسرة الواحدة، وهذه الأمور هي الحد الأدنى التي يقوم عليها المجتمع بعلاقاته مع بعضه وله أن يضيف عليها مايراه مناسباً ولكن لاتأخذ صفة التعميم وتبقى خاصة بالمجتمع ذاته
32- الدولة ليست دينية لأنها شخصية اعتبارية وإنما تقوم على ثقافة المجتمع بحيث عندما يكون الدين أحد مقومات المجتمع الثقافية يصير مصدراً دستورياً رئيساً وليس نهائياً.
33- الحكومة سلطة أخذت شرعيتها من الدستور ، و تقوم على الإكراه والقوة حماية الدستور والمجتمع والإشراف على القانون، وهذا نقيض قيام الدين على الحرية الشخصية وبالتالي لايجتمعان مع بعض قط.
34- تقوم التشريعات على مفهوم النفع والمصلحة للناس ككل، وما يضر المجتمع يجتنب ويُهمل ولو كان حكم ديني جزئي.
35- مفهوم مرجعية الناس وما يقبلون أو يرفضون يؤخذ به في غير دائرة العلم أو ثوابت الدين القطعية المذكورة آنفاً التي يسلم بها كل الناس ( الأخلاق والقيم والوصايا العشرة ومحارم النكاح ) لأن الدين القيم هو مايوافق فطرة الناس ورؤيتهم الاجتماعية
36- المجتمع ظاهرة إنسانية موضوعية يخضع لسنن تحكمه تطيل بعمره أو تهلكه ، والإنسان كمجتمع يستطيع أن يناور في عمر مجتمعه إصلاحاً ونهضة وعدلا وحرية فيطيل عمره أو يهلكه بالظلم والفساد والعدوان والاستعباد .
37- الإنسان كائن اجتماعي حر بشخصه وفكره مُلزم بطاعة قانون مجتمعه
38- الأجوبة على الأسئلة الفطرية الفلسفية (كيف، لماذا ، أين) هي القاعدة الفكرية التي يَبني الإنسان فكره عليها، ويُكيف رؤيته للحياة وعلاقته مع الآخرين ولما قبل الحياة وما بعد الحياة على موجبها
هذه رؤية كلية مختصرة ويحتاج كل فقرة لدراسة وعرض الأدلة عليها