رد على نقد الأخ “محمود عقيل محمود” لنفيه مفهوم كلمة الرسول أنها تأت بمعنى الرسالة

{رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفاً مُّطَهَّرَةً }البينة2 .

قلت : كلمة الرسول بمعنى الرسالة يهدي ويقص ويتلو آيات الله

كلمة (صُحفاً) جمع صحيفة ذكر صاحب مقاييس اللغة : الصاد والحاء والفاء ( صحف) أصل صحيح يدل على انبساط في شيء وسعة . يقال إن الصحيف وجه الأرض، والصحيفة: بشرة وجه الرجل.

ودلالة كلمة( الصحف) لا تُحصر بسطح ورقة أو لوح  أو رقاع جلد، ولا بوجه الأرض فهي تشمل كل انبساط وسعة في الوجود الكوني، وهذا يعني أن الصحف في النص حسب السياق وتعلق النص بمحله من الخطاب واستمرار فاعليته هي الانبساطات الممتدة في الكون والمتسعة، وهذه الصحف الكونية مطهرة من التحريف والعبث والدجل ومنضبطة بسننها، فمن يستطيع أن يحرف آية الشمس بشروقها وغروبها، وهذا الكون  فيه كتب قيمة، وكلمة (كُتب) جمع كتاب وهو يدل على الشيء الذي يجمع الأمور المتجانسة مع بعضها ، وفي الوجود الكوني ( الصحف) يوجد كتب مترابطة مع بعضها وتشكل منظومة واحدة وهي كتاب البحار وكتاب الغابات وكتاب الجبال وكتاب الأنهار كتاب النجوم …..وكتاب الحياة بكل ما تحوي في داخلها من كتب أيضاً وهكذا، والرسول (الرسالة) يتلو صحفاً بمعنى يذكر ويتبع في مبناه ومضمونه أبعاد وامتدادات كونية مُطهرة تحتوي كُتباً قيمة.

وبالتالي لا يوجد  في النص المعني أي ذكر للنبي محمد وأنه يتلو النص القرءاني من صحيفة ليزرية لا يراها إلا هو فقط! فلا داعي أن يلووا عنق النصوص ليثبتوا فكرتهم المسبقة التي مفادها إثبات أن الرسم القرءاني المعروف بالرسم العثماني في المصاحف الحالية نسبة لعثمان بن عفان هو وحي من الله وليس اصطلاحاً.

* قال الأخ محمود عقيل:

1- إن كلمة رسول وجمعها رسل، وكلمة رسالة وجمعها رسالات أتيا في الاستخدام القرءاني، فلو أراد الله بكلمة رسول من الله أي رسالة من الله لقالها صراحة ولم يستبدلها بكلمة رسول حيث أن الكلمتان (رسول و رسالة) وردتا في كتاب الله فلا تحل هذه محل هذه…. وخاصة أن الأستاذ سامر  يتبنى قاعدة ( إذا اختلف المبنى اختلف المعنى).

2- قال إن كلمة رسول من الله أي رسالة من الله وهي حاملة للبينة فنسأله حتى يبين لنا كيف هذا وكلمة البينة معرفة بالألف واللام وليس هناك في كتاب الله غيرها معرفة بالألف واللام مما يدل علي أنها بينة معلومة مميزه عن غيرها حتى أطلق عليها كلمة ( البينة) بالألف واللام أي معلومة لدي المخاطب.

3- ثم بينها الله سبحانه بأنها رسول من الله يتلوا صحفا مطهرة أي البينة رسول من الله وليس رسالة من الله حاملة لبينة، وليس هو إلا رسول الله النبي محمد .

4- وإذا لم يقبل الأستاذ سامر أن يرمز للنبي صلى الله عليه وآله بالبينة كونه حامل لأعظم بينة وهي القرءان فكيف يقبل أن كلمة الرسالة يرمز لها بالرسول؟
– نقاش النقاط الأربعة التي أثارها الأخ محمود

بداية؛ الأخ “عقيل” يحاول  من خلال نقده لفكرتي أن يثبت أن النبي نزل عليه القرءان في صحف  وتلاها من خلال رؤيته للخط والرسم للكلام، وكلامه هذا ينقض صراحة النص القرءاني الذي نفى نزول القرءان بقرطاس {وَلَوْ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ كِتَاباً فِي قِرْطَاسٍ فَلَمَسُوهُ بِأَيْدِيهِمْ لَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ إِنْ هَـذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ }الأنعام7، فماذا يفعل أصحاب هذا الرأي مع دلالة النص وهم يتبنون فكرة نزول  رسم القرءان وخطه بالوحي؟

فقالوا: لاشك لم ينزل القرءان بصحيفة مادية من ألواح أو رقاع، ولكن لم ينف النص نزول بوسيلة أخرى  وتفتق ذهنهم عن القول بأن القرءان نزل ملف موجي الكتروني صوت وصورة على قلب النبي، فسمع تلاوته الصوتية ورأى طريقة رسم الكلام في قلبه؟، وقام بتلاوة النص على الناس وأملى على النساخ النص ليخطُّوه على الرقاع والألواح وأشرف على ذلك بنفسه يصوب خطأهم ويوجههم على طريقة رسم وخط الكلام وفق رؤيته للملف  الذي نزل عليه في قلبه.

وقال غيرهم: ربما نزل عليه صحف ليزرية لا نراها نحن ولكن هو يراها.

-كلمة القرطاس تدل على أي وسيلة يتم الكتابة فيها وجمع الكلام مثل الصحف وغيرها من رقاع أو ألواح، وهذا يشمل صحف ليزرية وغيرها مما سوف يتقدم العلم ويستخدمه في الكتابة و الخط، وهذا يعني أن نفي نزول القرءان في قرطاس يشمل أي وسيلة بصرف النظر عن نوعها

أما ادعاء نزول ملف موجي صوت وصورة  للنص القرءاني  على قلب النبي فهو افتراض دون برهان، لا يصلح للنقاش أو الدراسة لأنه خيال وتصور خاص بهم غير ثابت لا تاريخياً ولا قرءانياً ولا يملكون أي برهان عليه سوى عدم علمهم بسبب اختلاف رسم مجموعة من الكلمات ذاتها في القرءان من مكان إلى آخر، وما شابه ذلك فبنوا  فرضيتهم  أن الرسم والخط وحي لاشك في ذلك ، وهو بناء على نفي العلم بالشيء وسبب  اختلاف رسم هذه الكلمات، وهذا خطأ منطقي ما ينبغي أن يقعوا فيه، فنفي العلم عن سبب حصول شيء لا يصلح أن يصير برهاناً لإثبات شيء!

وأصحاب فرضية الرسم التوقيفي يستميتون في إثبات نزول النص القرءاني برسمه وخطه بالوحي لأنهم يبنون فرضيتهم الإعجاز العددي على ذلك، وفي حال لم يثبت توقيف رسم النص القرءاني تنهار فرضيتهم العددية ويصير طريقة الرسم والخط اصطلاحاً من النساخ لا يصح دراسته ويفقد إعجازه وقداسته، وهذا ما لن يسمحوا به، ولذلك يبحثون في النص القرءاني عن أي نص يثبت فرضيتهم مثل النص المعني بالنقاش ويلوون عنق النص ومفرداته ويحملونها مالا تحتمل من المعاني، رغم أن النص الذي نفى نزول النص القرءاني في قرطاس واضح وجلي وقطعي الدلالة ،ولكنهم يتركونه ويبحثون عن غيره.

ولنبدأ بالرد على إشكاليات الأخ عقيل بشكل مختصر لأن هذه النقاط مدروسة في منشوراتي بشكل مطول

-النقطة الأولى: سوف أكتفي بإثبات أن الرسول في اللسان العربي تأتي بمعنى الرسالة، حتى يسقط اعتراض الأخ عقيل وحده ويعلم أن قولي أو فهمي ليس بدعاً من القول ولا اعتباطاً.

كلمة (رسول) تطلق على حامل الرسالة سواء أكان كائناً بشرياً أم مبنى الرسالة اللساني ذاته هو رسول، وقد أتى في القرءان استخدام الصورتين:

الأولى: الرسول بالمعنى البشري

{وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ }المائدة83 {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ }الأعراف157

الثاني: الرسول بمعنى الرسالة قوله تعالى:

{فَأْتِيَا فِرْعَوْنَ فَقُولَا إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ }الشعراء16

قال أبو عبيدة: رسول بمعنى رسالة والتقدير على هذا، إنا ذوو رسالة رب العالمين. تفسير “القرطبي” باب 13،ج 13، ص 93

وذكر لسان العرب أثناء كلامه على كلمة رسول: وقال أَبو إِسحق النحوي في قوله (عز و جل) حكاية عن موسى وأَخيه (فقُولا إِنَّا رسول رب العالمين) معناه إِنا رِسالة رَبّ العالمين أَي ذَوَا رِسالة رب العالمين، وأَنشد هو أَو غيره: ما فُهْتُ عندهم بسِرٍّ ولا أَرسلتهم برَسول. أَراد ولا أَرسلتهم برِسالة قال الأَزهري وهذا قول الأَخفش، وسُمِّي الرَّسول رسولاً لأَنه ذو رَسُول أَي ذو رِسالة والرَّسول اسم من أَرسلت وكذلك الرِّسالة.

– النقطة الثانية: سوف نذكر النصوص حتى يظهر المعنى: {لَمْ يَكُنِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ مُنفَكِّينَ حَتَّى تَأْتِيَهُمُ الْبَيِّنَةُ }1{رَسُولٌ مِّنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفاً مُّطَهَّرَةً } البينة 2

هل البينة هو شخص النبي محمد ذاته الذي سوف يموت وتنقطع صلته مع الناس، وفي حال كان هو البينة يعني توقف وظيفة تلاوته للصحف المطهرة، قالوا : كان بداية هو البينة وبعد وفاته انتقلت البينة للكتاب( الرسالة) وصارت هي التي تتلو البينة وهذا الكلام يعني أن البينة هي الرسالة ابتداء والنبي كان حامل لها حينئذ وهي استمرت بعد وفاته تتلو البينة وتقيم الحجة على الناس، وهم يلفون ويدورون في الكلام لإثبات أن دلالة كلمة الرسول في النص هذا هو شخص النبي ليبنوا فرضيتهم أن النبي كان يتلو خط القرءان من صحيفة.

لاحظوا أن فعل التلاوة (يتلو) يمكن أن يأتي ويقصد به الرسالة ذاتها وليس شخص النبي

{رَّسُولاً يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحاً يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقاً }الطلاق11

فعل (يتلو) مضارع ويدل على استمرار الحدث وعدم توقفه، والذي يخرج الذين آمنوا من الظلمات إلى النور ليس النبي ذاته وإنما ما نزل عليه من  وحي ( الرسالة) وهذا فعل مستمر لكل مؤمن بالله التزم بالرسالة وقرأها، ولو كان النبي هو صاحب الفعل لتوقف بوفاته وصار النص لا عمل له، وهذا يلزمهم أن يقولوا كقولهم السابق واستمر فعل التلاوة بعد وفاة النبي بالرسالة ذاتها وبمن يحملها من العلماء والدعاة، وهذا يعني أن الرسالة هي التي تقوم بفعل التلاوة ابتداء وحملها النبي في حياته واستمرت بعد وفاته، والبينة معروفة للناس وليست نكرة من خلال إظهارها لهم والتعامل معها وموافقتها للفطرة وانسجامها مع الكون كآفاق وأنفس.

-النقطة الثالثة: الرد عليها كان ضمن النقطة  الأولى والثانية وبينا أن الرسول لسانًا يمكن أن تأتي بمعنى الرسالة بل هي الأصل في الموضوع وليس شخص الحامل لهان وأتت في القرءان بهذا المعنى في عدة نصوص.

– النقطة الرابعة: لم نستخدم أسلوب الرمز في وصف الرسالة بالرسول بل هذا مفهوم لساني ومنطقي وقرءاني، فكيف يطالبنا أن نستخدم الرمز ونحن لم نستخدمه أصلا؟! أما وصف النبي محمد بالبينة فهذا لعمري عمل شنيع، لأن البينة هو الحجة والبرهان وشخص النبي ليس حجة ولا برهان هو رسول وما على الرسول إلا البلاغ المبين.

هذا مختصر وكما لاحظتم لا يوجد في النص المعني أي دلالة تدل على أن رسم القرءان أو خطه نزل بالوحي أو أن النبي كان يتلو من مخطوط ليزري أو من ملف موجي الكتروني!.

وللتوسع في قراءة موضوع الرسول والرسالة  يرجى مراجعة كتابي تحرير العقل من النقل، وكتابي ظاهرة النص القرءاني لمعرفة كيف تم نزل القرءان وجمع في مصحف وانتقل خلال المجتمعات.

وشكراً للأخ عقيل على نقده وإتاحة عرض الفكرة للنقاش أكثر لمن يهمه الأمر