حُكْم إسقاط الجنين

إن صفة الحياة غير مقتصرة في وجودها على الإنسان، وإنما يشاركه بذلك كائنات أخرى (الحيوانات، والنباتات)، ممَّا يدلُّ على أن مجرد وجود الحياة في الكائن لا يشترط له أن يملك صفة الإدراك والوعي، فهذه الصفات غير موجودة في الحيوانات، والنباتات، مع وجود صفة الحياة فيهما؛ ممَّا يدلُّ على أن صفة الحياة سابقة في وجودها عن الوعي والإدراك، وأن القداسة والقيمة إنما هي للحياة الواعية، وليست للحياة غير الواعية (الحيوانات).

وبالتالي؛ فمحلّ التكليف والأحكام إنما هو صاحب الحياة الواعية، وإذا انتفت عن الكائن الحي صفة الوعي والإدراك، انتفت عنه صفة القداسة والاحترام، وانتفى تعلُّق الأحكام والتكليف به.

ماذا يعني هذا الكلام؟

إنه يدلّ على أن صفة الحياة موجودة في الجنين الإنساني، قبل صفة الوعي والإدراك، مثله مثل أيّ جنين لأيّ كائن حي.

وبالتالي؛ حُكْم الجنين البشري بهذه المرحلة الحياتية مثل حُكْم أيّ جنين حيواني، لا قداسة له، أو احترام، ويُباح إسقاطه دون حرج، أو مانع شرعي، من باب الأصل القرءاني، أمَّا إذا وصل في تطوُّره الجنيني إلى مرحلة الإنسانية، وذلك بنَفْخ النَّفَس في جسمه، عند الانتهاء من عملية التسوية، والتعديل، وتفعيل السمع والوعي والإدراك، عندئذ؛ يأخذ حُكْم الإنسان، كونه امتلك حياة واعية مدركة.

وبالتالي؛ يحرم إسقاطه؛ لأن ذلك يصير قَتْلًا للنَّفْس بغير حقّ، وهذا التفريق بين الجنين البشري، والكائن الإنساني، يقتضي من العلم أن يحدّد وقت انتقال الجنين البشري إلى مرحلة الوعي والإدراك؛ متى يتمّ ذلك في فترة تطوُّر الجنين؟ وتعرف هذه الحالة الانتقالية من نهاية عملية التسوية والتعديل وبدء صفة السمع في الجنين، واستجابته الواعية للأصوات، عندئذ؛ نقول: إن الجنين صار كائنًا إنسانيًّا، ويحرم إسقاطه، أمَّا قبل تسويته وتعديله وتشكيل صفة السمع والوعي عند الجنين؛ فلا مانع من عملية إسقاطه؛ لأنه لم يصر إنسانًا بعد، وبالتالي؛ لا قداسة له، أو حرمة، ولا يُعدّ ذلك قَتْلًا للنَّفْس؛ لانتفاء وجودها أصلًا في الجنين بهذه المرحلة. (قبل الأسبوع الثامن).

وبعد وصول الجنين لمرحلة دخول النَّفَس فيه، وصيرورته كائنًا واعيًا، يحرم إسقاطه، إلا إنْ أُصيب بتشوُّه في خَلقه، أو عرَّض والدته لخطر الهلاك، عندئذ؛ يتمُّ اختيار الحياة الفاعلة المتمثلة بالوالدة، ويُضَحَّى بالحياة المتفاعلة حديثة العهد، المتمثّلة بالجنين، ويرجع تقدير ذلك للعلم.