{مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ …}

كان مرة دكتور يحاضر في الجامعة فسأله ملحد يريد إحراجه: كيف يقول قرءانكم: {مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ …}الأحزاب4، هل يعني أن المرأة لها قلبين أو ممكن يكون لها قلبين؟

فتأمل الدكتور برهة من الزمن بالسؤال وشعر بحرج في نفسه، وفكر وركَّز كثيراً ليتخلص من هذا الموقف المحرج، فخطر بباله فوراً أن المرأة تحمل في بطنها جنيناً وله قلب ، وهذا يعني وجود قلبين في جوف المرأة ، فتبسم ضاحكاً وقال: نعم؛ يمكن أن يكون للمرأة قلبين وذلك إن حملت جنيناً  في بطنها، وكبَّر الطلاب: الله أكبر !

وظن الدكتور أنه أفحم الملحد ، والطلاب رضوا بالجواب ، والملحد سكت عجزاً ليبحث عن إشكال آخر كعادتهم ينتقلون من إشكال إلى آخر ولا يسمعون  ولا يبحثون عن الحق.

أعزائي الأحبة

كلمة رجل في اللسان العربي لا تعني ذكراً ، فالحيوانات أيضا فيها ذكور ولا نصفهم بالرجال، فليس كل ذكر رجل ، ولا كل رجل ذكر.

رَجَلَ: تدل على تكرار  قوة وجهد بحركة لازمة ثقيلة ، ومن ذلك الترجل وهو النزول عن المركوب والاعتماد على القوة الذاتية للأرجل، فهي صفة وليس اسم جنس أو نوع، فيمكن للمرأة أن تكون رجلاً  وتسمى الرَجُلَة، كما يمكن للذكر البالغ أن يكون رجلاً، ولو أن الواقع الاجتماعي والبيئي فرز هذا المقام للذكور البالغين أكثر من النوع الأنثوي، ولذلك تأت كلمة الرجال أحياناً ويقصد بها الذكور البالغين فقط وهذا يفهم من السياق ومحل الخطاب، وعند إطلاقها تبقى على مفهومها اللساني دون تحديد. ويقابل كلمة (الرجال) في الواقع كلمة (النساء) التي هي جمع كلمة نسيء من جنسها لسانياً وجمع امرأة من غير جنسها لتحقق بها معنى النسيء التي تدل على التأخر والمستجد من كل شيء ، وبصرف النظر عن نوعه ذكراً أو أنثى كبيراً أو صغيراً، فكل من لم يصل إلى مقام الرجولة فهو من زمرة النساء، والسياق يحدد معنى كلمة النساء كيف أتت هل هي جمع نسيء أم جمع امرأة.

وكلمة (قلب) في القرءان لاتدل على العضلة التي تضخ الدم في الجسم ، وإنما تدل على القلب الذي وظيفته التعقل والتفكير والفقه والتدبر…، اقرؤوا معي هذه النصوص:

{وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِّنَ الْجِنِّ وَالإِنسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَـئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ }الأعراف 179

{أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ }الحج46

{أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا }محمد24

{لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }الحشر21

وكلمة (جوف) تدل على جهد وقوة منضمة مكانياً منتهية بفتح منضم خفيف.

والإنسان هو جسم حي( كائن بشري) زائد نفس في داخله تحكمه، وكلمة جوف تتناول الجسم والنفس معاً بوقت واحد، وكوننا عرفنا أن القلب وظيفته الفهم والتدبر والتعقل والتفكير فيكون في جوف الجسم هو الدماغ، وفي جوف النفس هو الفؤاد، وكلاهما مع بعضهما اسمهما القلب، الفؤاد يقود الدماغ والدماغ يدير الجسم .

وفي النص المعني بالسؤال: {مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ }الأحزاب4

أتت كلمة (رجل) على إطلاقها، وهذا يعني أنها تشمل الرجال من النوعين الذكوري و الأنثوي، ويصير مفهوم النص أن من يصل إلى مقام الرجولة من كلا النوعين ذكراً أو أنثى ليس له إلا قلب واحد يفكر به ويفهم ويتدبر ويعقل بخلاف النساء ( المتأخرين معيشياً وثقافياً) من كلا النوعين (ذكوراً وإناثاً) وبمختلف الأعمار ( شيوخاً وكهولاً وعجائز وشباب وأطفال) يصير لهم عدة قلوب، وكون الدماغ ثابت فهذا يعني أن الفؤاد في النفس يتعدد عمله ويضطرب في قيادته للدماغ ويصير مزاجياً يثبت وينفي ويؤمن بالمتناقضات والخرافات كأن يعد زوجته كمثل أمه، أو يدَّعي أن ابن غيره هو ابن له ، وما شابه ذلك من الأمور المتناقضة والباطلة خلاف الحق.