مفهوم الشورى في القرءان

شرى:  لها أصول ثلاثة،  أحدها:  تعارض بين اثنين أخذاً وإعطاءً مُماثلة.  والآخر:  نبت.  والثّالث:  هيج وعلو.  (مقاييس اللُّغة).

لنر ذلك من خلال تحليل أصوات أحرف الكلمة:

ش:  صوت يدل على انتشار.

ر:  صوت يدل على تكرار.

ى:  صوت يدل على إثارة،  وامتداد.

ومجموع دلالة أصوات الكلمة هي:  انتشار شيء وتكراره وإثارته وامتداد هذه العملية.  وتحقق ذلك المعنى اجتماعياً في عملية تبادل السّلع والبيع؛  لأنه أخذ وعطاء متبادل،  لذلك تطلق  عملية  الشّراء على  الطّرفين  لتحقق الدّلالة فيهما.  قال تعالى:  {وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ وَكَانُواْ فِيهِ مِنَ الزّاهِدِينَ} [ يوسف:20 ] أي:  باعوه،  قال تعالى:  {وَقَالَ الّذِي اشْتَرَاهُ مِن مّصْرَ لاِمْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ} [يوسف: 21 ] أي:  أخذه بثمن.

نلاحظ أنَّ العملية تمت برضا الطّرفين،  وكون الأمر كذلك؛  فالنّتيجة ملزمة لكل منهما.  وإذا أضفنا حرف (و) لكلمة (شرى) بعد حرف (ش) حيث تصير (شورى) نلاحظ أننا أضفنا دلالة الضّم الممتد بعد عملية الانتشار؛  لتصير دلالة الكلمة هي:

    شورى:  تدل على تفشِّي الشّيء وانتشاره،  وضمه،  وتكرار ذلك للوُصُول إلى إثارته والامتداد لشيء واحد.

ونجد أن هذه الصّورة الدّلالية،  متحققة –   اجتماعياً –   بعملية اجتماع النّاس للقيام بالشّورى،  التي هي عرض الرّأي ونشره،  وطلب رأي الآخرين في ذلك،  والقيام بتداول هذه الآراء وضمها إلى بعضها،  وتكرار العملية؛  لاستقصاء الوُصُول إلى أقرب رأي يمثل الصّواب،  وبعد الوُصُول إلى رأي واحد،  سواء بالإجماع أم بالأكثرية،  يأتي دور الاستقامة،  والامتداد على هذا الرّأي،  وهو مُلزم للجميع،  لأنهم ابتداءً بدؤوا العملية عن تراضٍ منهم،  وكل واحد منهم مُلزم  نفسه بالنّتيجة التي يُسفر عنها المجلس.

ولو انتفى عن الشّورى صفة الإلزام،  لصارت عبثاً ومهزلة.  أما اجتماع النّاس لتداول الآراء فهو مجلس حوار ونقاش،  وليس مجلس شورى،  وكذلك مجلس الإفتاء،  فهو مجلس لإصدار القرار فقط،  والفتوى هي رفع المسؤولية عن المستفتي،  ووضعها في عنق المفتي؛  وذلك لوجهين:

   الأول:  تحميل المفتي نتيجة فتواه،  فهو مسؤول عنها.

   الثّاني:  انتفاء العلم عن المستفتي الذي يريد أن يحمل غيره مسؤولية عمله.

لذا،  لا يصح القول:  إن المريض يشاور طبيبه،  وهو لا يأخذ بنتيجة المشورة،  فهذه تسمَّى حواراً وأخذ رأي من باب الاطِّلاع فقط،  لا أكثر؛  لأنَّ التّشاور هو الوُصُول إلى رأي واحد بعد التّداول والحوار.

أما عملية الإفتاء؛  فهي خاصَّة بأهل الاختصاص،  ولكل علم أهله.

  فمجلس الشّورى غير مجلس الفتوى،  وغير مجلس الحوار والرّأي،  وغير مجلس النّقاش والجدال… إلخ،  فلكل منهم دلالة مختلفة في الواقع الاجتماعي.