هل كل صيغة أمر تفيد الوجوب والمسؤولية

صيغة طلب الفعل لسانياً يأتي بصيغة فعل أمر نحوياً مثل: اقرأ و اكتب و ادرس و اذهب …الخ، وهذا الطلب رغم أنه بصيغة فعل الأمر نحوياً فهو لا يفيد دائماً الوجوب الذي يترتب على تركه المسؤولية والعقاب، مثل لو جاءك ضيف وفتحت له الباب وقلت له: ادخل، فقولك ادخل، فعل أمر من الناحية النحوية ولكن من الناحية الاجتماعية والثقافية هو مجرد طلب فعل ليس أكثر ولا يترتب على عدم دخول الضيف مسؤولية وعقاب، وكذلك لو طلب رجل من صديقه كأس ماء بقوله: قم أحضر لي كأس ماء، فلا شك أن صيغة الطلب لسانياً هي فعل أمر ولكن لا يعني أن هذا الأمر هو واجب يترتب عليه المسؤولية والعقوبة في حال لم يأت الرجل بكأس الماء، ونفي المسؤولية والعقوبة عن عدم استجابة الرجل لطلب صديقه لا ينفي عن حكم الطلب الوجوب الأخلاقي القيمي الذي يترتب عليه مدح وعلى تركه ذم، كما أن صيغة الطلب يمكن أن تتعلق بالفعل فورًا بعد انتهاء الكلام مثل أعطني الكتاب الذي بجوارك، فسياق الكلام ومحل الخطاب يفيد أن الطلب يتعلق بزمن المتكلم بمعنى هو يريد الكتاب الآن وليس غداً، ويوجد طلب فعل مع التراخي الزمني بفعله مثل قول الأستاذ للطالب: ادرس كي تنجح، ففعل ادرس لا يتعلق بزمن المتكلم وإنما يأتي لاحقًا مع الزمن، وهذا يعني أنه يوجد فعل طلب مباشر ويوجد فعل طلب متراخي زمنياً، ونلاحظ من خلال ذلك أن ليس كل طلب ولو أتى بصيغة فعل أمر يترتب على تركه المسؤولية و العقاب، ويوجد طلب فعل من جهة أعلى إلى أدنى ويكون أيضًا على نوعين من الحكم: الأول أن يرافق فعل الأمر تهديد و وعيد على تركه أو معروف مسبقًا أن هذا الطلب يترتب على تركه مسؤولية وعقوبة فيكون هذا الأمر واجباً مسؤولاً، وفي حال كان الأمر لا يرافقه تهديد أو وعيد ولا يوجد سابقًا أن هذا الأمر واجب مسؤول فيكون فعل هذا الأمر واجب أخلاقي وقيمي.

وهذا يوصلنا إلى أن ليس كل طلب فعل بصيغة الأمر يفيد الوجوب الذي يترتب عليه المسؤولية والمحاسبة والعقاب فالمسألة واسعة ولها تعدد في الأفهام، والاحتمال قائم بدلالة الخطاب وتعلقه بمحله في الواقع ومن هو المتكلم ومقامه بالنسبة للمُخاطب.

وهذا يعني أن تحديد حكم صيغة الطلب يلزمه مجموعة من الأمور والقواعد:

  • المنطق
  • الصياغة اللسانية سواء نص إنشائي أو خبري

فيمكن أن يأتي بنص إنشاء يدل على أمر مثل: اقرأ كتابك،  أو يأتي بصيغة خبر  مثل:{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ }المؤمنون5 ، والسياق للخطاب يحدد أن المقصد هو طلب فعل الحفظ للفروج

3- مضمون الخطاب وسياقه

  • محل تعلق الطلب في الواقع ودرجة أهميته
  • مقام الجهة التي تطلب الفعل
  • وجود تهديد أو وعيد على ترك الفعل
  • تعلق الخطاب بترك شيء قبيح وفاسد
  • صيغة أمر بعد نهي يرجع حكمه إلى طبيعة الشيء وأهميته ابتداء قد يقيد الأمر وقد يفيد الإباحة والحرية
  • لا تكليف إلا بنص، ولا عقوبة إلا بنص
  • صيغة أمر يتعلق بالحق واجتناب الباطل و الظلم يفيد الوجوب ويترتب عليه المسؤولية
  • نفي وجود العقوبة على ترك فعل لاينفي عنه الوجوب الأخلاقي والقيمي

والذي يهمنا من الموضوع هو صيغة الأمر الديني وليس أمر الناس فيما بينهم، ولذلك ينبغي تثبيت مفهوم مهم جداً وهو أن الحاكمية في التشريع الديني إنما هي لله فقط فهو الذي يأمر ويحرم وينهى وهذا الفعل أتى في القرءان فقط فهو مصدر الدين الإيماني والتشريعي، والله له مقام الخالق المدبر وبالتالي فهو الجهة العليا الذي يشرع لمخلوقاته.

بعد هذا المدخل لدراسة حكم صيغة الأمر نأتي إلى دراسة دلالة الأمر في القرءان مستصحبين معنا ما ذكرناه من أمور وقواعد

مع الانتباه إلى الفرق بين الواجب الذي يترتب على تركه مسؤولية وعقوبة والواجب القيمي الأخلاقي ، وهذا يعرف من خلال وجود نص تهديد أو وعيد أو ذكر عقوبة لمن يتركه، وهذا من منطلق القاعدة التي تقول: لا تكليف إلا بنص،  ولا عقوبة إلا بنص.

– صيغة طلب تتعلق بالحق واجتناب الباطل والظلم تفيد الوجوب ويترتب عليه المسؤولية

{اتَّخَذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَـهاً وَاحِداً لاَّ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ }التوبة31

{مَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِهِ إِلاَّ أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَآؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ }يوسف40

 

– صيغة طلب من الأعلى إلى الأدنى تتعلق بمصالح الناس تفيد وجوب الفعل ويترتب عليه المسؤولية

لنقرأ:

{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً }النساء58

– صيغة طلب من الأعلى إلى الأدنى يتعلق بأمر فوري التنفيذ يفيد وجوب الفعل ويترتب عليه المسؤولية

{قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ }الأعراف12

– صيغة طلب نهي عن فعل شيء يترتب عليه مسؤولية وهو من دائرة الحرام

لنقرأ:

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّداً فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْياً بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَاماً لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللّهُ مِنْهُ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ }المائدة95

– صيغة أمر بمعنى الطلب والحض والدعوة لفعله

لنقرأ:

{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ وَأَنتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ }البقرة44

{الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاء وَاللّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلاً وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ }البقرة268

{كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ }آل عمران110

{لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتَغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً }النساء114

-صيغة أمر فعل يدل على وجوبه أخلاقياً وقيمياً دون مسؤولية وعقوبة على تركه

{وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِن صَوْتِكَ إِنَّ أَنكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ }لقمان19