تدبر علمي ومنطقي للسحر في قصة النبي موسى والسحرة
مقدمة
قصة موسى والسحرة التي وردت في القرآن الكريم تثير تساؤلات حول كيفية جعل السحرة الناس يرون العصي كأفاعي وكيف استطاع موسى إبطال هذا السحر. لفهم هذه القصة بعيدًا عن الجن والخرافات، يمكننا استخدام مبادئ علم النفس العصبي والخداع البصري والتأثير الاجتماعي. هذه المقالة تهدف إلى تقديم تفسير علمي ومنطقي لهذا الحدث استنادًا إلى تقنيات معروفة في الخداع والإيحاء.
أساليب السحر العلمي
الإيحاء والتنويم المغناطيسي
• الإيحاء: يعتمد السحرة على قوة الكلام واللغة في التأثير على العقل الباطن للأفراد. بتكرار العبارات المؤثرة بثقة، يمكن للسحرة إقناع الناس برؤية أو تخيل شيء غير موجود.
• التنويم المغناطيسي: في هذه الحالة، يتم إدخال الشخص في حالة من الاسترخاء العميق والوعي المحدود، حيث يصبح أكثر تقبلاً للإيحاءات. يمكن للسحرة زراعة أفكار أو صور معينة في عقل الشخص، مما يجعله يراها أو يتخيلها كما يريدون.
الخداع البصري
• الأوهام البصرية: يستغل السحرة الخدع البصرية لجعل الشخص يرى أشياء غير موجودة. تعتمد هذه الأوهام على كيفية معالجة الدماغ للمعلومات البصرية، حيث يمكن للسحرة استخدام الضوء، والظلال، والألوان، والأشكال بطرق معينة لتشويش الرؤية.
• الاستفادة من النقاط العمياء في الرؤية: يمكن للسحرة استغلال مناطق في الرؤية البصرية للإنسان التي تكون غير واضحة أو محدودة، مثل النقاط العمياء، لخلق أوهام بصرية تجعل الشخص يرى شيئًا مختلفًا.
علم النفس الإدراكي
• الإدراك الانتقائي: يمكن للسحرة توجيه انتباه الشخص إلى تفاصيل معينة وجعله يتجاهل تفاصيل أخرى، مما يغير من الإدراك الكلي للموقف أو الشيء. على سبيل المثال، يمكن استخدام الحركات السريعة أو الصوت لجذب انتباه الشخص بعيدًا عن الشيء الفعلي.
• الذاكرة والتوقعات: يعتمد العقل البشري على الذاكرة والتوقعات لتفسير المعلومات الحسية. يمكن للسحرة استغلال هذه الخاصية عن طريق تقديم معلومات مضللة أو تحفيز الذاكرة بطرق معينة لجعل الشخص يتذكر أو يتوقع شيئًا غير حقيقي.
التأثير الاجتماعي والنفسي
• التأثير الجماعي: يمكن للسحرة استخدام قوة التأثير الجماعي لإقناع شخص واحد برؤية شيء غير حقيقي. إذا رأى الجميع حوله شيئًا وأكدوا وجوده، فإن الفرد قد يبدأ في الاعتقاد برؤيته أيضًا، حتى لو لم يكن موجودًا فعليًا.
• التلاعب النفسي: يمكن للسحرة استغلال نقاط الضعف النفسية للأفراد مثل الخوف، الأمل، والفضول، لجعلهم يعتقدون بأشياء غير حقيقية.
تحول عصا النبي موسى في الأحداث الثلاثة
1- تحولت عصا النبي موسى إلى حية عندما كان وحده وذلك لإثبات أنه نبي مبعوث من قبل الرب:
{وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى }طه17……{فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى }طه20
2- تحولت عصا النبي موسى إلى ثعبان أمام فرعون آية على صدق ادعاء النبي موسى بالنبوة
{فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ }الأعراف107
3- أما حين التحدي مع السحرة فلم تتحول عصا النبي موسى إلى أفعى بل قامت بإبطال سحر السحرة وإرجاع الناس إلى طبيعتهم الواعية دون سحر أعينهم
• (فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون) (45) – سورة الشعراء
تطبيق على قصة النبي موسى والسحرة
سحر السحرة
السحرة استخدموا أساليب معينة لجعل الناس يعتقدون أن العصي تحولت إلى أفاعي. يمكن تفسير ذلك باستخدام أساليب الخداع البصري والإيحاء النفسي. الخداع البصري قد يشمل استخدام مواد أو تقنيات تجعل العصي تبدو كأنها تتحرك أو تتلوى. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للسحرة استغلال تأثير الإيحاء الجماعي، حيث يؤدي تصديق الناس حولهم برؤية أفاعي إلى تعزيز هذا التصور في عقول الأفراد.
النص القرآني:
{قَالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذَا حِبَالُهُمْ وَعِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى }طه66
قال ألقوا فلما ألقوا سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم (116) – سورة الأعراف

عصا النبي موسى
عندما ألقى النبي موسى عصاه لم تتحول إلى أفعى في هذا الحدث، وإنما كان وظيفتها هو إبطال تأثير السحر على عقول الناس وإعادتهم إلى الواقع. يمكن تفسير ذلك بأن عصا موسى كانت تحمل تأثيرًا بصريًا أو فعلاً ملموسًا قوياً أثر مباشرة على الإدراك الحسي للناس، مما جعلهم يدركون الحقيقة ويكفون عن رؤية العصي كأفاعي.
النص القرآني:
• فقال لهم موسى ألقوا ما أنتم ملقون (43) فألقوا حبالهم وعصيهم وقالوا بعزة فرعون إنا لنحن الغالبون (44) فألقى موسى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون (45) – سورة الشعراء
• وأوحينا إلى موسى أن ألق عصاك فإذا هي تلقف ما يأفكون (117) فوقع الحق وبطل ما كانوا يعملون (118) – سورة الأعراف
التفسير العلمي والمنطقي
إبطال السحر باستخدام التأثيرات البصرية الملموسة
عصا موسى قد خلقت تأثيرًا بصريًا أقوى وأكثر وضوحًا أبطل تأثيرات الخداع البصري للسحرة. يمكن أن تكون الحركة أو الإضاءة الناتجة عن العصا كافية لجذب انتباه الناس بشكل كامل وإلغاء تأثيرات الخداع السابقة.
تأثير نفسي مباشر
عصا موسى يمكن أن تكون قد أحدثت تأثيرًا نفسيًا قويًا، حيث أن رؤية شيء مختلف بشكل جذري عن الخداع الذي كانوا يشهدونه يمكن أن يكسر حالة الإيحاء الجماعي ويعيد الناس إلى حالتهم الإدراكية الطبيعية. بمعنى آخر، يمكن أن تكون الحركة أو التأثير الناتج عن عصا موسى قد قدم دليلًا قويًا ومباشرًا على حقيقة ما يحدث، مما أزال تأثير السحر.
النص القرآني:
• قال موسى ما جئتم به السحر إن الله سيبطله إن الله لا يصلح عمل المفسدين (81) ويحق الله الحق بكلماته ولو كره المجرمون (82) سورة يونس
تأثير جماعي
تأثير عصا موسى قد يكون أيضًا قد أثار رد فعل جماعي عكسي. عندما رأى الناس تأثير العصا وتوقفوا عن رؤية العصي كأفاعي، يمكن أن يكون هذا قد أدى إلى سلسلة من ردود الأفعال المتتالية حيث بدأ كل شخص في إعادة تقييم ما يراه بناءً على ردود أفعال من حوله، مما أدى إلى إبطال تأثير السحر بالكامل.
خلاصة
باستخدام تقنيات الإيحاء، والخداع البصري، وعلم النفس الإدراكي، يمكن تفسير كيفية جعل السحرة الناس يرون العصي كأفاعي وكيف استطاع موسى إبطال هذا السحر. إلقاء عصا النبي موسى ترتب عليه تأثيرًا بصريًا أو فعلاً ملموسًا قوياً أثرت مباشرة على الإدراك الحسي للناس، مما أدى إلى إبطال تأثيرات الخداع البصري للسحرة وإعادة الناس إلى الواقع. هذه العملية يمكن تفسيرها باستخدام مبادئ علم النفس العصبي والخداع البصري دون الحاجة إلى اللجوء إلى الجن والخرافات، ومازال البحث جارياً.