الفراهيدي ودور الهمزة في الخطاب القرآني إضافة أم توثيق؟

كان الخليل بن أحمد الفراهيدي (718–786م) واحداً من أبرز علماء اللسان العربي في تاريخه. يعود له الفضل في وضع العديد من القواعد الصوتية والنحوية التي صارت جزءاً أساسياً من هيكل اللسان العربي المخطوط كما نعرفه اليوم. أحد هذه الإسهامات المهمة هو توثيق “الهمزة”، وهي الصوت الذي أثار جدلاً حول إضافتها إلى الخطاب القرآني. تدور الحجة حول ما إذا كان الفراهيدي قد أضاف الهمزة إلى النص القرآني أم أنه فقط وثّق صوتاً كان موجوداً بالفعل في الخطاب الشفهي القرآني. في هذا المقال، سنناقش كيفية تعامل الفراهيدي مع الهمزة، ونتناول الردود على من يقولون بأن صوت الهمزة غير موجود في الأصل وأن إضافتها تحريف للنص القرآني.
الفراهيدي والهمزة: إضافة أم توثيق؟
لتوضيح دور الفراهيدي فيما يتعلق بالهمزة، يجب أولاً فهم أن اللسان العربي المنطوق يختلف بشكل ملحوظ عن المخطوط، خاصة في العصور المبكرة قبل تطور النظام الإملائي والنحوي الكامل. الهمزة هي أحد الأصوات الأساسية في اللسان العربي، وهي موجودة بشكل طبيعي في اللسان العربي المنطوق. ومع ذلك، لم تكن الكتابة العربية في بدايتها تشمل علامات دقيقة لتوثيق كل صوت.
عمل الفراهيدي كان بالأساس جزءاً من محاولة تنظيم وتوحيد هذا اللسان المخطوط بناءً على ما يُنطق في الخطاب العربي الشفوي. الفراهيدي لم “يخترع” الهمزة بل وثّق وجودها في الكلام. إن عمله في توحيد استخدام الهمزة في الكتابة كان توثيقاً لصوت موجود في اللسان العربي المنطوق، وخاصة في تلاوة القرآن الكريم. النص القرآني كان يتلى بصوت الهمزة سواء كانت مخطوطة أم لا، وما فعله الفراهيدي هو إظهارها في الكتابة لتسهيل التلاوة الصحيحة وتحقيق الدقة في لفظ الكلمة.
الهمزة في النص القرآني: ضرورة النطق وتلاوة النص كما هو
من الأهمية بمكان أن نميز بين الحرف المخطوط والصوت المنطوق. النص القرآني، كما نزل بلسان عربي مبين، يتضمن أصواتاً يجب تلاوتها بدقة تامة، والهمزة هي واحدة من هذه الأصوات. فالأحرف المخطوطة قد تختلف في تمثيل بعض الأصوات، ولكن هذا لا يعني أن الصوت ذاته غير موجود.
ونزل القرءان ذكر صوتي بلسان عربي مبين على قلب النبي وقام بتلاوته على الناس شفهياً ولم يكن يوزع مخطوطات.
{نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ }{عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ } {بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ }الشعراء193 – 195
{وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَقُلْ إِنَّمَا أَنَا مِنَ الْمُنذِرِينَ }النمل92
{قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ …}الأنعام151
وهذا التوجيه يشير إلى أن النطق الدقيق جزء من تلاوة القرآن. ولأن الهمزة هي جزء أساسي من الأصوات العربية، يجب أن تُتلى بدقة حتى وإن كانت غير مخطوطة في بعض النسخ المبكرة من القرآن أو في الخطوط التي لم تكن تحتوي على كامل علامات الإعجام والتشكيل.
الرد على من يزعم أن الفراهيدي أضاف الهمزة كتحريف
يزعم البعض أن الفراهيدي بإضافته الهمزة قد قام بتحريف النص القرآني، لكن هذا الادعاء يتجاهل الحقيقة الأساسية وهي أن القرآن كان يُتلى بصوت الهمزة منذ بداية نزوله. لقد جُمع القرآن من خلال عملية تعتمد على التلاوة الشفهية والتوثيق المكتوب، وكان القراء المتخصصون (القراء) ينقلون القرآن بتلاوة دقيقة تشمل جميع الأصوات، بما في ذلك الهمزة. ما فعله الفراهيدي هو تنظيم الكتابة لتتوافق مع التلاوة الشفهية الموثقة، وهذا لا يمكن اعتباره تحريفاً بأي شكل من الأشكال.
بالإضافة إلى ذلك، فإن الفراهيدي لم يكن يعمل في فراغ. كان هناك مجموعة كبيرة من العلماء القرآنيين والنحويين الذين راجعوا وشاركوا في هذه العمليات اللسانية، وكان هدفهم هو حفظ القرآن وصيانته من أي تحريف. إضافة الفراهيدي للهمزة في الخط كانت جزءاً من هذا الجهد المستمر للحفاظ على النص القرآني كما هو مُتلى.
الهمزة في اللسان العربي: أصالة الصوت
الهمزة ليست مجرد صوت دخيل أو اختراع من قبل الفراهيدي، بل هي جزء أصيل من النظام الصوتي للسان العربي منذ بدايته. الصوت الذي تمثله الهمزة هو صوت حنجري قطعي (glottal stop)، ويظهر في العديد من اللهجات العربية وغيرها. حتى في اللهجات الحديثة من اللسان العربي، يبقى صوت الهمزة جزءاً لا يتجزأ من النظام الصوتي، رغم أنه قد يتحور أو يُهمل في بعض اللهجات. تساهلاً.
الخلاصة
الفراهيدي لم يضف الهمزة إلى النص القرآني كتحريف، بل وثّقها كصوت أصيل في اللسان العربي المنطوق. وجود الهمزة في تلاوة القرءان ليس اختراعاً من العلماء اللسانيين، بل هو جزء طبيعي من تلاوة النص. إن عمل الفراهيدي كان في خدمة الحفاظ على دقة التلاوة والنطق الصحيح للنص القرآني. الهمزة ليست مجرد علامة في الخط، بل هي جزء من الأصوات التي يجب تلاوتها بدقة سواء ظهرت في النص المخطوط أو لم تظهر.