تسييس لباس المرأة وشرعنته
تسييس لباس المرأة يعد ظاهرة معقدة ترتبط بالتحولات الاجتماعية والسياسية والدينية في المجتمعات الإسلامية. يتم استخدام اللباس، وخاصة ما يتعلق بالمرأة، كأداة للتعبير عن الهوية الدينية والانتماء السياسي والثقافي. لكن من المهم التمييز بين شكل الثياب بحد ذاته وبين القيم الأخلاقية التي ينبغي أن ترتبط باللباس، مثل الحشمة والحياء. في هذا السياق، يمكن فهم كيف تم تسييس بعض أنماط اللباس النسائي وربطه بتيارات سياسية ودينية، مع مراعاة أهمية الحفاظ على الهوية الثقافية لكل مجتمع، دون التخلي عن القيم الأخلاقية.
- العباءة الإيرانية في جنوب لبنان:
بعد الثورة الإيرانية عام 1979، تم نشر اللباس الإسلامي المعروف بين النساء كجزء من الهوية الدينية والوطنية لإيران. حزب الله، كحليف رئيسي لإيران في لبنان، تبنى العديد من القيم والممارسات الإيرانية، ومنها مسألة اللباس الإسلامي. وتم نشر العباءة الإيرانية في جنوب لبنان عبر وسائل متعددة:
- التعليم والإعلام الديني: حزب الله استخدم منصات التعليم والخطاب السياسي والديني للترويج للعباءة كرمز للتدين والانتماء إلى فكر المقاومة الإسلامية.
- الرمزية السياسية: ارتداء العباءة صار تعبيرًا عن الانتماء لمحور المقاومة الذي تقوده إيران، وليس مجرد خيار ديني أو ثقافي.
هذه العملية لم تكن عشوائية، بل كانت مرتبطة بسياسة إيران التوسعية واستخدامها للثقافة والدين لتعزيز نفوذها السياسي في المنطقة.
- انتشار الجلباب والنقاب في بلاد الشام ومصر تحت تأثير الفكر الوهابي:
الفكر الوهابي، الذي نشأ في الجزيرة العربية، يُعرف بتشدده في الالتزام بتفسيرات معينة للشريعة الإسلامية، ومن ضمنها ما يتعلق بلباس المرأة. مع زيادة نفوذ المملكة العربية السعودية في العقود الأخيرة، انتشر هذا الفكر في العديد من الدول الإسلامية، خاصة في بلاد الشام ومصر. وتم ذلك من خلال عدة طرق:
- الدعم المالي والتعليم الديني: المملكة دعمت المدارس والجمعيات الخيرية التي تروج للفكر الوهابي، مما ساهم في نشر الجلباب والنقاب كرموز للالتزام الديني.
- العمالة الوافدة: المصريون والشاميون الذين عملوا في السعودية عادوا إلى بلدانهم وهم متأثرون بثقافة اللباس الوهابي، مما أدى إلى انتشار هذا النمط في مجتمعاتهم.
- الإعلام الديني: القنوات الإعلامية والخطب الدينية الممولة من السعودية ساعدت في نشر هذا النوع من اللباس باعتباره الطريقة “الصحيحة” للتعبير عن الحشمة.
- الحفاظ على نمط الثياب المحلي ضمن إطار أخلاقي:
مع انتشار هذه الأنماط السياسية والدينية للباس، من الضروري التأكيد على أن قيمة اللباس لا تكمن في شكله الخارجي، بل في القيم الأخلاقية التي يعبر عنها، مثل الحشمة والحياء. كل مجتمع له ثقافته الخاصة وأزياؤه التقليدية التي تعكس هويته. المحافظة على هذه الأزياء المحلية جزء من الحفاظ على الهوية الثقافية والتنوع الحضاري، طالما أن هذه الأزياء تلتزم بإطار أخلاقي يعزز قيم الحشمة والحياء.
- التغير بين الثقافات: عندما تنتقل المرأة من مجتمع إلى آخر، قد تختار تغيير ملابسها لتتناسب مع الثقافة الجديدة، شريطة أن تلتزم بقيم الحشمة والحياء. التكيف مع اللباس المحلي في هذه الحالة يعكس احترامًا للثقافة المضيفة، دون التنازل عن القيم الأخلاقية الأساسية.
الخلاصة:
تسييس لباس المرأة في بعض المجتمعات الإسلامية جاء نتيجة التداخل بين السياسة والدين والثقافة. سواء كان ذلك من خلال نشر العباءة الإيرانية في جنوب لبنان أو انتشار الجلباب والنقاب في بلاد الشام ومصر تحت تأثير الفكر الوهابي، فإن اللباس صار وسيلة لتعزيز الهويات السياسية والدينية. ومع ذلك، ينبغي أن يبقى التركيز على القيم الأخلاقية، مثل الحشمة والحياء، بدلاً من التركيز على شكل الثياب ذاته. ولكل مجتمع ثقافته الخاصة التي ينبغي احترامها، ويمكن التكيف مع هذه الثقافات طالما أن القيم الأخلاقية تظل الأساس. بهذا الفهم، يصير اللباس تعبيرًا عن القيم الأخلاقية وليس مجرد تقليد لشكل معين. أو وسيلة امتهان وإغراء وتعري.
اضف تعليقا