الوفاة وموت المسيح
تعريف الموت
الموت في اللسان يُعرّف على أنه توقف فاعلية الشيء بشكل دائم أو مؤقت. يمكن أن يظهر بأشكال متعددة، منها موت الأرض، أي جفافها وتوقفها عن الإنبات، أو موت البهائم، أي توقف أجسامها عن الحركة والحياة. بالنسبة للإنسان، الموت يعني توقف حياته البيولوجية وخروج نفسه ونهاية قدرته على التفكير والعمل.
الحياة، على النقيض، تتجلى في الفاعلية والإنتاج؛ فحياة الأرض تتجسد في خصوبتها وقدرتها على الإنتاج، بينما تتمثل حياة الإنسان في طاقته وحركته وأعماله الصالحة.
النصوص القرآنية المتعلقة بالموت
ورد في القرآن الكريم العديد من الآيات التي تشرح مفهوم الموت، منها:
- قوله تعالى: “كل نفس ذائقة الموت“ (آل عمران: 185)، والتي تؤكد أن الموت أمر حتمي يصيب كل أصحاب النفوس.
- قوله تعالى: “الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملًا“ (الملك: 2)، تُظهر الآية أن للموت والحياة غاية تتمثل في اختبار الناس.
- {وَآيَةٌ لَّهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبّاً فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ }يس33
مفهوم الوفاة
الوفاة في اللسان تُشير إلى إتمام شيء واسترجاعه بشكل كامل، وغالبًا ما ترتبط بتوفي النفس. في القرآن، تُستخدم الكلمة للتعبير عن معنيين: الوفاة المتعلقة بالموت، والوفاة المؤقتة كما في حالة النوم.
الفرق بين الموت والوفاة
- الوفاة دون موت: تتعلق بحالة النوم، حيث تتوقف النفس مؤقتًا عن الفاعلية ثم تعود بعد الاستيقاظ. قال تعالى: “الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى“ (الزمر: 42). الآية تُبيّن أن الوفاة تحدث للنائم (وفاة مؤقتة) أو للأموات (وفاة نهائية)
- الموت دون ذكر الوفاة: يمكن أن يحدث عندما يكون الحديث عن الكائنات غير الإنسانية، مثل موت الأرض أو موت الحيوانات.
النصوص القرآنية التي تذكر الوفاة مجردة وتدل على الموت
عندما تأتي كلمة “الوفاة” متعلقة بالإنسان بشكل مجرد، فإنها تدل على الموت كحقيقة نهائية. من النصوص القرآنية التي تدعم هذا الفهم:
- قوله تعالى: “ومنكم من يُتوفى ومنكم من يُرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علمٍ شيئاً” (الحج: 5). في هذه الآية، “يُتوفى” تشير إلى الموت النهائي الذي ينتهي به عمر الإنسان.
- قوله تعالى: “ومنكم من يُتوفى من قبل ولتبلغوا أجلاً مسمى“ (غافر: 67). هنا تشير كلمة “يُتوفى” إلى الموت النهائي الذي يحدث قبل بلوغ الأجل المسمى، مما يعني أن الوفاة هنا تتعلق بالموت وخروج النفس من الجسد.
هاتان الآيتان تثبتان أن استخدام كلمة “الوفاة” عند الإشارة إلى الإنسان دون وجود قرينة تدل على النوم أو الوفاة المؤقتة، فإنها تعني الموت النهائي بشكل صريح.
وفاة المسيح في القرآن
المسيح عيسى بن مريم ذُكرت وفاته في القرآن الكريم بصيغة تدل على انتهاء حياته. قال تعالى: “إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إليّ ومطهرك من الذين كفروا“ (آل عمران: 55). كلمة “متوفيك” في هذا السياق تُفهم على أنها وفاة موت، كما تُستخدم للتعبير عن انتهاء حياة الأنبياء وغيرهم.
ومجيء التوفي في بدء النص وبعده الرفع والتطهير لايدل على التريب الزمني فالواو تفيد كثير من المعاني مثل التعداد نحو قولنا : جاء سعيد ومحمد وزيد، فهي لا تفيد الترتيب ولا المعية إلا بقرينة ، ونحو قولنا: ذهبت إلى السوف واشترين فاكهة وخبزا وحليبا ، فالواو لاتفيد التريب وإنما تفيد التعداد، وهذا يعني لتحدي دلالة الواو لابد من دراسة وقرائن تحدد دلالتها ، وفي النص المعني أتى كلمة الوفاة بداية لتطمين المسيح أنه لن يقتل أو يصلب وسوف يعصمه الله من ذلك ويستوفي أجله كاملا، وأتى بعده ذكر الرفع والتطير لتدل على النجاة وأنه لن يصيبه مكروه أبداً وتابع حياته في الدعوة لأنه نبي رسول كتاب في مهمة لم يتمها بعد، فلذلك ما ينبغي أن يموت أو تتوقف دعوته، فغادر المنطقة إلى غيرها وتابع دعوته وتوفي بشكل طبيعي كسائر النبيين بعد انتهاء مهمته.
وعدم ذكر موت المسيح صراحةً لا يعني نفيه، لأن الموت قانون شامل لكل البشر. وكل الأنبياء ماتوا ولم يُستثنوا من هذا القانون مع عدم ذكر موت أحد صراحة فهل نقول إنهم مازالوا أحياء لعدم ذكر موتهم في القرءان!، والأصل في ذلك هو قانون الموت الذي يطول الجميع وهذا النص يدل أيضاً على ذلك : “وما جعلنا لبشر من قبلك الخلد أفإن مت فهم الخالدون“ (الأنبياء: 34)، {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ }آل عمران144مما يشير إلى أن الجميع، بمن فيهم الأنبياء قد ماتوا.
الخلاصة
الموت هو توقف دائم لفاعلية الحياة، بينما الوفاة هي استرجاع للنفس ومسكها يمكن أن تكون مؤقتة مثل حالة النوم، أو نهائية بحالة الموت. وعند استخدام “الوفاة” بشكل مجرد فيما يخص الإنسان، فإنها تشير إلى الموت النهائي. وفيما يخص المسيح، فإن وفاته في القرآن جاءت بمعنى نهاية حياته كما هو الحال مع سائر الأنبياء.
{مَّا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كَانَا يَأْكُلاَنِ الطَّعَامَ انظُرْ كَيْفَ نُبَيِّنُ لَهُمُ الآيَاتِ ثُمَّ انظُرْ أَنَّى يُؤْفَكُونَ }المائدة75
اضف تعليقا